كتب- إسلام محمد
لم يتجاوز الرئيس المخلوع "حسني مبارك" الحقيقة حين رد على الصحفي الذي حاوره عبر التليفون، منذ أيام، سائلا إياه عن الكلمة التي يوجهها للشعب المصري، فرد عليه مشفقا "كفاية اللي هما فيه".
وبالفعل.. فقد وصل المصريون إلى قمة المعاناة التي ليس بعدها شيء، وهو ما يتضح من الإحباط الذي يسيطر على المصريين خلال هذه الفترة، وينعكس على وجوههم التي يكسوها العبوس، بعد أن كانوا مثالا على المرح والدعابة التي يعرفها العرب جميعا عن الشعب المصري.
كما أدت الحالة السيئة التي يعيشها الشعب المصري إلى تزايد معدلات الانتحار بشكل غير مسبوق، وارتفاع مؤشرات الهجرة بشكل غير مسبوق، للدرجة التي أصبحت فيها الكلمة الأشهر بين الشباب بأن أفضل مكان في مصر هو سلم الطائرة التي تركبها للابتعاد عن هذا الوطن.
الحالة السيئة التي يعاني منها المصريون أدت أيضا إلى ارتفاع معدلات المشاجرات، التي غالبا ما تتطور إلى الاعتداء بالأسلحة البيضاء والنارية، مخلفة الكثير من الضحايا، فضلا عن انتشار معدلات العنف الاجتماعي، الذي يظهر في حالات الانتقام التي انتشرت في الشوارع والحواري، والتي ينتقم خلالها المواطنون من بعضهم لأسباب تافهة، ومنها التي يتم إجبار البعض على ارتداء ملابس داخلية نسائية، أو الركوب على حمار بالمقلوب، والسير بهم في الشوارع "للتجريس".
ولا يحتاج الأمر إلى إثبات حين نشير إلى أن السنوات التي تلت انقلاب 30 يونيو تعتبر الأكثر إحباطا بالنسبة للمصريين، سواء الذين أيدوا الانقلاب العسكري ويكتوون الآن بنتائج فشله الذريع، والذي أدى إلى صعوبة كبيرة في مواجهتهم لأعباء الحياة، أو الذين رفضوا الانقلاب فانتقم منهم بشكل غير إنساني، ما أدى إلى أن تم سجن 60 ألفا منهم، وتشريد أكثر من 20 ألفا آخرين، فضلا عن رحيل المئات الذين لا يوجد حتى الآن رقم نهائي يمكن الاعتماد عليه لتوثيق أعدادهم.
تتفاقم أزمات المصريين يوميا، ويأتي ارتفاع الأسعار على رأس الأسباب التي تؤدي إلى تزايد معدلات الإحباط لدى المصريين على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، وزادت بالتالي نسبة الأمراض التي تفتك بالمرضى بعد أن عجز الكثير منهم عن تدبير ثمن الدواء، وارتفاع معدلات التسول والسرقة وقطع الطرق للحصول على الطعام، فضلا عن تعويم الجنيه الذي أدى إلى تآكل مدخرات الذين تمكنوا من ادخار عدة آلاف من الجنيهات لتعينهم على نوائب الدهر، ففوجئوا بأن قيمتها انخفضت إلى النصف بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام باقي العملات.
وأدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى تأخر معدلات الزواج للفتيات والشباب على السواء، وزادت الضغوط النفسية على الجميع، سواء داخل البيوت أو خارجها، ما أدى إلى زيادة حالات الاغتصاب والقتل بين الأقارب والأصدقاء.
وأصبح الجوع محركا للكثير من الأفراد، مما ينذر بنشوب ثورة جياع تأكل الأخضر واليابس.
ورغم أن المصريين استبشروا بأن ثورة يناير فتحت أمامهم أبواب الأمل في مستقبل واعد، إلا أن الانقلاب تمكن في شهور قليلة من تبديد ذلك الأمل، وساعد على ذلك حجم القمع الذي تمارسه ميلشيات الانقلاب مع كافة فئات الشعب المصري، التي سُحقت بين مطرقة الفقر وسندان القمع، في الوقت الذي يطالعون فيه يوميا إعلانات عن شقق ومنتجعات بملايين الجنيهات، ومكافآت وميزات تقدم للقضاة والضباط، في الوقت الذي تزداد أحوالهم سوءا يوما بعد يوم.