“حقائق مرعبة”.. ماذا تعرف عن إلغاء فوز الإسلاميين والانقلاب في الجزائر؟

- ‎فيعربي ودولي

كتب سيد توكل:

 

أمة الإسلام فرقتها الأنظمة ووحدتها الانقلابات، هكذا الحال من مصر في عهد السيسي إلى الجزائر التي دخلت في نفق العسكر المظلمٍ ولازالت تعيش فيه حتى الآن، ففي أعقاب إجبار الرئيس الشاذلي بن جديد على تقديم استقالته، واستيلاء الجنرالات على السلطة في الحادي عشر من يناير عام 92، أعلن عن إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات التي كانت مقررةً في السادس عشر من يناير.

 

وعلى غرار ما قام به المجلس العسكري في مصر بقيادة السيسي، تم تشكيل مجلس رئاسي عين على رأسه محمد بوضياف أحد القيادات التاريخية للثورة الجزائرية، وذلك في السادس عشر من يناير حيث صاحب ذلك أو سبقه عمليات اعتقالٍ واسعة في صفوف المنتمين لجبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية، تبعها اندلاع المواجهات الدموية بين الجيش وقوات الأمن من جهة وأطرافٍ عديدة تنتمي إلى توجهاتٍ إسلاميةٍ مختلفة من جهة أخرى.

 

إلا أن الرئيس بوضياف -الذي أعلن الحرب على الفساد- سرعان ما تمت تصفيته خلال خطابٍ كان يلقيه في عنابة -وكان يبث على الهواء مباشرة على شاشات التلفزة على يد ملازمٍ في القوات الخاصة يدعى مبارك بومعرافي وذلك التاسع والعشرين من يونيو عام 92 .

 

وقد خلفه الرئيس على كافي إلى يناير عام 94، ثم الأمين زروال حتى نوفمبر عام 95 كرئيس للدولة، ثم أصبح بعد ذلك رئيساً للدولة إلى العام.. إلى أبريل عام 99 حيث خلفه الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، غير أن المواجهات الدموية تحولت في بداية العام 94 إلى مجازر بشعةٍ للمدنيين عادةً ما تنسبها السلطات للجماعات الإسلامية المسلحة، لكن هروب بعض الضباط الجزائريين كشف جوانب أخرى عن تلك المجازر تشير إلى تورط قوات الجيش، مما ألقى لغزاً كبيراً أو علامات استفهامٍ كثيرة حول ما يدور. 


العسكر دهسوا أحلام الجزائريين 

ومن أجل تجسيد الهدف الأسمى لاستقلال الجزائريين طيلة 132 سنة من الكفاح المستمر ضد الاحتلال الفرنسي، جاء بيان الأول من نوفمبر 1954 بتشخيص الهدف من وراء الاستقلال، وهو إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.

 

إلا أن هذين الهدفين اغتيلا بعد الاستقلال مباشرة، كما يرى العديد من المفكرين والمؤرخين ومنهم كبير المؤرخين سعد الله أبو القاسم، حيث صودرت الحريات، وانقلبوا على المبادئ الإسلامية، نحو النهج الاشتراكي الذي اختاره الراحلين أحمد بن بلة وخلفه هواري بومدين.

 

وحظر الانقلاب العسكري جمعية "العلماء المسلمين"، وعدد من قادة الثورة من النشاط وتعرض بعضهم للاعتقال، مثل الشيخ البشير الإبراهيمي الذي وضع تحت الإقامة الجبرية، في حين جرى تصفية العديد منهم، أمثال كريم بلقاسم والعقيد محمد شعباني.

 

ضباط فرنسا اخترقوا الثورة 

يقول الضابط محمد زيتوت :"كلما إطلعت أكثر على تفاصيل تاريخ الجزائر، إبتداء من إندلاع الثورة التحريرية، كلما تكشف لي حجم الدمار الهائل الذي أحدثه بعض “ضباط فرنسا”، وأؤكد على عبارة بعض، ذلك أن من كانوا في الجيش الفرنسي من الجزائريين وإلتحقوا بالثورة لم يكونو سواء".

 

ويضيف:"فكثير منهم كانوا صادقين في إلتحاقهم بالثورة، مخلصين لبلدهم، مدافعين عن شعبهم ومنهم من لقي ربه و يده على الزناد، وما بدلوا تبديلا".

 

وتابع:"هؤلاء في الغالب كانوا قد إنظموا إضطرارا لجيش فرنسا قبل نوفمبر 54، وبمجرد ما ذاع أمر “الجهاد المسلح” ضد فرنسا، فروا بأسلحتهم مجاهدين، حقا وصدقا".

 

وأوضح:"لكن كان هناك صنف آخر، و الذي سيحدث خرابا هائلا على مدار أكثر من 50 عاما، ولايزال، فهم أولئك الذين إنضموا للثورة بطلب من جنرالات فرنسا في عملية إختراق واسعة، تكثفت مع وصول الماكر ديغول، في ماي 1958 بعد سقوط الجمهورية الرابعة تحت وقع ضربات ثوار الجزائر".

 

وشدد:"هؤلاء من أمثال إيدير وشابو والتواتي و نزار و العماري والعربي بالخير و بن شريف وقنازية …وغيرهم كثير سيقومون بثورة مضادة تعاظمت مخاطرها مع مرور الزمن.

في البدء لقوا رعاية كبيرة من وزير دفاع الثورة العقيد كريم بالقاسم، الذي أعدم ثوار كبار وعلى رأسهم العقيد “العموري”، الذي لم يكن يستسيغ ضباط فرنسا".

 

وأضاف:"ثم من وزير دفاع الإستقلال العقيد هواري بومدين، الذي لم يتوان عن إعدام العقيد محمد شعباني، بتهمة مزعومة هي محاولة فصل الصحراء، وهو الذي مأنفك يحذر من” المخاطر المحدقة بالجزائر وقد تولى هؤلاء الفارين مناصب مهمة في دولة الإستقلال".

 

وأردف:"ومن بعد بومدين، سيلقى ضباط فرنسا رعاية خاصة من الرئيس ووزير الدفاع بدءا من 79 الشادلي بن جديد، الذي وصل به الأمر أن سلم أكثر شؤون الحكم للجنرال العربي بالخير".

 

الكاردينال العربي بلخير  

واستطرد:"الكاردينال العربي بلخير كما كان يسمى، و قد سيطر، في الخفاء، على مقاليد السلطة، سيقوم بعملية تصفية واسعة لكبار ضباط الثورة وعلى رأسهم الجنرال مصطفى بالوصيف، أحد أصغر ضباط الثورة، و قائد الأركان حتى 1986، الذي قال أثناء محاكمته بتهمة الفساد في صائفة 92 أنه “إذ أطيح بي في 86 و أحاكم اليوم فلأني لم أكن ممن رضعوا ثدي فرنسا".

 

ثم إنتهى الأمر بضباط فرنسا، الأكثر إجراما و فسادا، و على رأسهم خالد نزار و التواتي و العماري، أن أطاحوا بالشادلي بن جديد، دون طلقة واحدة، ذات 11 يناير 92، وهو الذي أوصلهم إلى أرفع المراتب والمناصب في الثمانينات.

 

إني على يقين، أن جرائم أعظم ستتكشف في مستقبل الأيام، عندما ينهار نظام العصابات، الذي مازال، كابرانات فرنسا بعبارة أدق، يحركون خيوط أكثر ألاعيبه، من وراء الستار، كما تعودوا على مدار ما يزيد عن نصف قرن من الخيانة والتآمر ضد الوطن الذين قاتلوا، يوما، لكي يظل فرنسيا إلى الأبد.

 

قتل عصفورين بحجر 

يقول منير أبو إسلام، أحد الناجين من سجون التعذيب في الجزائر بأن النظام السياسي نجح في تحقيق منجزين نفسيين كبيرين، انعكسا بالسلبية على نفسية الجزائريين في الاهتمام بالشأن العام، ويخدمان حسبه المنتفعين من وراء مشاريعه وخططه الإستراتيجية، ويتمثلان في زرع اليأس خاصة في النخبة المثقفة من السياسيين والإعلاميين والشباب والنساء والنشطاء المعارضين له.

 

والمنجز الثاني باعتباره قيمة تفكيكية، وهي زرع الشك والريبة بين المكونات التاريخية والجهوية والفكرية للجزائريين، ويضيف أبو إسلام، الناشط في الحقل الدعوي والسياسي، أن هاتين القيمتين المرتبطتين بنفسية الجزائري، تعملان على تدمير الجهاز المناعي للمجتمع من خلال التشكيك في كل مبادرة سياسية أو تحرك جماهيري.

 

وتوثق مذكرات بعض الضباط الفارين إلى سويسرا وبريطانيا، مجموعة من الشواهد وعمليات شراء مساحات واسعة من الأراضي والمباني من كبار الجنرالات والتجار أثناء الأزمة، مع ابتزاز جماعات إرهابية للمواطنين في أموالهم وممتلكاتهم التي يتخلون عنها مقابل البقاء على قيد الحياة، وتعتبر هذه القضايا من المسكوت عنها داخل البلاد.

 

وبعد سنوات من التفاعل الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي في الجزائر طيلة ربع قرن من الانقلاب على نتائج الانتخابات، يرى البعض أن ما حدث يمثل أحد الأسباب التي تؤكد عدم وجود شرعية للمؤسسات القائمة الآن، خاصة مع التعسف في استعمال السلطة.

 

ويرى مؤيدو العسكر بأن الجيش بانقلابه على الانتخابات أنقذ البلد من تجربة مماثلة لأفغانستان وباكستان والعراق، أو كما يقال الآن "زي سوريا والعيراء" وعلى كل حال يسجل التاريخ أن 26 ديسمير 1991 أول وربما آخر -حتى الآن- انتخابات نزيهة لا يشوبها التزوير في البلاد.