كتب أحمدي البنهاوي:
شيع شعب دمياط، عقب صلاة مغرب اليوم 5 مارس، جنازة المهندس الحاج أحمد كيوان، 81 عاما، من مسجد البشرى بعزبة البرج-دمياط، حيث مسقط رأسه، ومحل دراسته الابتدائية والإعدادية.
وقد نعى جماعة الإخوان المسلمين بدمياط أخاهم المهندس "أحمد كيوان"، الذي تخرج من هندسة القاهرة 1964، من الرعيل الأول للجماعة، وصاحب التاريخ الحافل من العمل والتضحية والعطاء ضمن قافلة الدعوة إلى الله.
وللمهندس كيميائي أحمد عبدالستار عوض كيوان، 6 أبناء بينهم 3 ذكور هم: أنس ومحمد وعبد الله كيوان، كما أن والده كان رجلا مثقفا يتقن الانجليزية برغم أن تعليمه بسيطا.
التعرف على الإخوان
وتعرف المهندس أحمد كيوان مبكرا على جماعة الإخوان المسلمين عندما كان طالبا في المرحلة الإعدادية وذلك عام 1952م، وتأثر حسبما سجل في مذكراته، بالمدرسين الذين كانوايأتون دمياط من بلدان مختلفة، وهؤلاء هم من عرفوني بهذه الجماعة ، فقد كان سمتهم إسلاميا، وأخص بالذكر أستاذ العلوم عبد الهادي عبد العظيم من الشرقية الذي أنشأ في عزبة البرج بلدتي أول شعبة للإخوان جزاه الله خيرا، حيث لم تكن هناك أي شعب ماعدا الشعبة الرئيسية بدمياط".
وذكر أن النصيحة والتوجيه لمحاسن الأخلاق وجميلها؛ كان سمتا عاما لدى المدرسين حتى من غير الإخوان.
شعبة عزبة البرج
واضاف المهندس كيوان في مذكراته "كان لشعبتنا نشاطات رائعة لأبناء العزبة، وخدمات جليلة لأهلها.. من ذلك على سبيل المثال:
– تجميع الفقراء أو إرسال الإخوان لهم مرة كل أسبوع لتقديم معونات غذائية، وهذا كان يتم بصفة دائمة.
– تحضير بعض الموضوعات والتي كان معظمها ديني وإلقائها أمام إخواننا في الشعبة.
– تعلمنا ونحن لا نزال تلاميذا صغارا القيم الإسلامية الراقية، وكنا نرى القدوة الطيبة من الشباب الأكبر منا، ومن باقي إخواننا في الشعبة، فكنا نتبارى في التخلق والتحلي بهذه الأخلاق الإسلامية الفاضلة والتمسك بها.
– وكان من بين إخوان دمياط الذين عاصرهم الحاج سعد صيام -رحمه الله- مسؤول شعبة مدينة دمياط، والأستاذ سعيد شبكة رحمه الله، والأستاذ الشحات إسحق.
بداية المحنة
وفي عام 1954 بدأ عبد الناصر يحارب الإخوان ويناصبهم العداء، فكانت مسرحية المنشية وما تبعها من حل لجماعة الإخوان، وإغلاق شعب الإخوان والقبض على الآلاف منهم، ومحاكمتهم ظلما وطغيانا، وجند الإعلام من أجل تشويه صورتهم لينفض عنهم كل الناس.
وأرسلوا للقبض على المهندس أحمد كيوان قوتين؛ إحداهما للمنزل، والأخرى لمصنع الخشب المضغوط الذي كنت أعمل فيه، وكان حديث تخرج وزواج، ولم يتمكن أهالي الحي الذي يسكن فيه من إنقاذ زوجته التي صرخت بأعلى صوتها طالبة النجدة؛ لإنقاذها وهي حامل، من رجال الأمن الذي عاثوا في البيت تفتيشا وبحثا، فلم يعثروا على سلاح لقلب نظام الحكم كما يدعون ولا على شيء فانصرفوا، ونتيجة للرعب والإرهاب يقول "كيوان": "سقط حمل زوجتي نتيجة الرعب الذي عاشته".
البوابة السوداء
وفي عام 1965، اعتقل كيوان من مصنع الخشب المضغوط ومكث في السجن الحربي 26 شهرا تحت التعذيب، ثم حكم عليه بالسجن 10سنوات، وتكفل والده –رحمه الله- والذي كان يملك تاكسي، جعله في يسر مادي مكنه من رعاية زوجة ابنه، معززة مكرمة.
وأثناء القبض عليه، رحلهم ضباط الشرطة وإخوان آخرين بالقطار إلى "لاظوغلي" بالقاهرة، ومنه إلى "بوابة سوداء كبيرة"، كانت عنوانا على السجن الحربي حيث الصراخ والعويل. وكان استفتاح دخوله أن نال جسده 10 كرابيج، تحيه من العسكري لمؤهله العالي ورفع يده بذلك.
يضيف كيوان "مكثت وإخواني في السجن الحربي 26 شهرا، رأينا فيها الأهوال، وذقنا فيها من العذاب أشكالا وألوانا، عانينا من الإجهاد الشديد بسبب الطوابير والتي كان يقودها" صفوت الروبي".
وأشار إلى أنه يوميا من شروق الشمس وحتى قبيل المغرب جريا لمسافة 40 كيلومتر ولم يكن هناك وقت للراحة سوى مدة قصيرة جدا قبيل الظهر للأكل الذي لا تعرف له هوية كانوا يقولون أنه عدس، وأحيانا فول مع عيش مكسر وناشف، ومن يصبه الجهد ويتباطأ فالكرابيج من ورائه تحثه حثا على السير.
وكان أيضا المدعو" صلاح نصر" يطبق علينا ما ترجمه في ثلاث كتب عن الحرب النفسية، وكان واضع هذه الحرب رجل صيني طبقها في ما يسمى بالثورة الثقافية فيها كيف يحول السجين للشيوعية وغير ذلك.
المهم الهدف هو كيف يخرج السجين ناسيا حتى اسمه فلا يقوم بعد خروجه من السجن بأي شيء يخالف الأوامر"
محاكمات صورية
وفي وصف لإنتهاكات الستينيات –وما أدراك ما الستينيات- يروي المهندس أحمد كيوان عن تمثيلية المحاكمات "بعد 26 شهرا جيء بالإخوان للمحكمة، وكان القاضي علي جمال الدين فريق في الجيش، بدأ يسألنا واحدا واحدا مذنب أو غير مذنب ؟ وأجبنا جميعا: "غير مذنب"، فلما عرض توقيعنا على تقارير أمامه – فيها إقرارات منا بفعل كل الجرائم – وكان أول ما يبدأ بدأ بالأخ منصور، والذي أجابه بكل ثبات وشجاعة أنه لا علاقة له بكل هذه التهم وأنه أجبر على التوقيع عليها تحت تأثير التعذيب الأليم والضرب بالكرابيج، وكذلك فعل كل الإخوة، فرفع الجلسة قائلا: "غدا نعاود المحاكمة".
ولدى عودتهم إلى السجن الحربي وقعوا فريسة لضباط المخابرات والمخبرين، بالتجريد من الملابس والتعذيب الشديد، وقال المهندس كيوان: "قال لنا ضابط المخابرات: هنا في قاعدة لازم تعرفوها وهي أننا جزارين لا تأخذنا بكم رحمة ولا شفقة..ولو الجزار أخذته بالذبيحة شفقة فلن يأكل هو وأولاده عيش! ..ولعلمكم هذه المحاكمات ديكور، تمثيلية على الشعب..إنه فيه قاضي ودفاع ونيابة واتهامات، ودفاع عن النفس وغيره، كل واحد منكم مكتوب له العقوبة بتاعته وما على القاضي سوى قراءة الحكم هذه هي مهمته الحقيقية".
وكان الحكم عشر سنوات على المهندس أحمد كيوان ظلما وزورا.
إفراج.
وفي 14 يناير 1973 ، خرج أحمد كيوان من غياهب سجون الظالمين لا كسيرا كما أرادوا ، لكن بطلا عزيزا كريما كما أراد الله له.
وعاد لعمله ووقف المدير الإداري عضو التنظيم الاشتراكي، فاروق غرابة له بالمرصاد ضد عودته للمصنع متحججا بالقوانين ولكنه اتجه لمجلس الدولة ورفع قضية وكسب عودته، ثم قضية أخرى فكسب درجته أسوة بزنلائه، ثم خلف الله عليه وعوضه عن سنين الظلم،وتعاقد مع وزارة الصحة والإسكان لمدة 20 عاما، في السعودية.
من أقواله
يقول المهندس أحمد كيوان: "نحن لله عباد، ومأمورون بالرجوع إليه في كل أمور حياتنا كبيرها وصغيرها سرها وعلانيتها كي يرضى الله عنا فتكون لنا الحياة سعيدة مريحة لا ضنك فيها ونكون أيضا مهيئين لنصر الله لنا يقول الله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}.
وقال المهندس كيوان عن والده: "رأى والدي يوما على مكتبي رسائل الإمام البنا وكان يعرف بانضمامي لجماعة الإخوان فقرأها وأعجب بها جدا وقال لي :إن هذا الرجل يبث فيكم الأمل والرجولة والقوة والشجاعة".
وعن محنته قال: "كل هذه الحروب طبقوها على الإخوان ولكنهم فشلوا وخابوا وخسروا، فقد بقي الإخوان على إيمانهم وثباتهم وصبرهم ولم تقف عقولهم بل تطورت وازدادت ثقافتهم في مختلف المجالات، بل وخرجوا من السجون أكثر همة وإصرارا على مواصلة نشر الدعوة ونصرتها".