كتب سيد توكل:
استمرارًا لمسلسل الدم الذي جاء في ركاب انقلاب 3 يوليو 2013، لم تكتفِ أصابع المخابرات العسكرية بتدبير حادث التفجير الذي وقع يوم الجمعة الماضي بمسجد السلام بالهرم، بل تابعوه بتفجير جديد صباح أمس الأحد بمنطقة العباسية بالقاهرة، حيث وقع انفجار في الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية، أثناء تأدية المسيحيين القداس الإلهي بالأنبا رويس بالكاتدرائية، ليتم التأكيد بما لا داعي للشك أن الانقلاب لا دين له، حيث لم يفرق بين مسلم تم ذبحه في فض اعتصام رابعة والنهضة، ومسيحي قتل وهو يصلي.
جاءت ردود الأفعال الرسمية من مؤسسات الانقلاب وأذرعها الحكومية والإعلامية والمؤسسة الأزهرية، تنضح نفاقاً وتكشف عن وجهين شديدي التناقض، ليتم التأكيد على أن المقصود ليس فئة بعينها، بل هو تلاحم المصريين والسعي إلى خراب وحدتهم.
ذلك التباين الذي فضحه تصريحات حقوقيين وأعضاء برلمان الدم والعديد من الفئات المختلفة التي رقصت على دماء المصريين في رابعة، وتظاهرت بالتباكي والولولة عليهم في تفجير الكاتدرائية، وأولهم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي يليه شيخ الأزهر، وقضاة العسكر.
"السيسي.. يقتل القتيل ويمشي في جنازته"
في الوقت الذي طلب فيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي "تفويض" بالقتل قبيل مجزرة رابعة والنهضة، وانغرست الحناجر مثل الخناجر مؤيدة لقتل أطفالا ونساء ورجال الاعتصام، أعلنت رئاسة الانقلاب اليوم الحداد لمدة ثلاثة أيام على أرواح ضحايا كنيسة الكاتدرائية في جميع المحافظات، و تقمص "السيسي" دور من لا يعلم، و أدان الجريمة التي ارتكبها وتوجه بالعزاء والمواساة لأسر ضحاياه، وشدد على القصاص من المجرمين بينما هو يقودهم بالفعل.
وجاء بيان رئاسة الانقلاب كالتالي:“إن الدماء التي سالت اليوم نتيجة هذا العمل الإرهابي الذي حدث في ذكرى المولد النبوي الشريف، والحادث الأليم الذي استهدف قوات الشرطة يوم الجمعة الماضي، وجميع العمليات البطولية التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة في سيناء وتدفع فيها ثمناً غالياً من دماء أبنائها، لهي جميعاً فصول من حرب الشعب المصري العظيم ضد الإرهاب، الذي لن يكون له مكانٌ في أرض مصر، وسيثبت الشعب المصري، بوحدته ومؤسساته وأجهزته، أنه قادرٌ على تخطّي المحن والمضي قدماً في مسيرته نحو التقدم والخير وإحقاق الحق والعدل والأمن في كافة ربوع الوطن”.
لجنة حقوق الإنسان تفرق بين الدماء
جاءت تصريحات وكيل لجنة ‘حقوق الإنسان’ في برلمان الدم، عنصرية واقصائية في مواجهة الدماء المصرية، حيث طالب النائب “محمد الغول”، بقرارات حاسمة وفرض حالة الطوارئ، بالإضافة إلى محاكمة الإرهابيين المسؤلين عن مثل تلك الأعمال أمام المحاكم العسكرية، وهو ما لم يحدث مع القتلة وهم معروفين في فض اعتصام رابعة والنهضة وما بعدهما، أو حتى القتلة في استاد بورسعيد.
وفي تحريض واقصائية ودموية مقيتة، تاجر "الغول" بدماء شريحة مصرية قائلاً: “أسر الشهداء تعيش ألم الفراق وقسوة الحدث، رغم بجاحة المسئول عن الغدر وإعلانه عن نفسه وانتمائه إلي جماعة الإخوان الإرهابية”، في تجاهل متعمد لأسر الشهداء الذين قتلهم السيسي .
نادي "القضاة" ذراع القاتل
صدر بيان رسمي من مجلس إدارة نادي قضاة مصر، أحد أذرع الانقلاب في 3 يوليو 2013، نعى فيه ببالغ الحزن والأسى، ضحايا انفجار الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، في حين أن هؤلاء القضاة وقفوا بقوة خلف قائد الانقلاب، وأيدوا القتل في رابعة والنهضة، واليوم يحاكمون الضحية فيما ارتكبه الجلاد العسكري.
وأكد قضاة العسكر على أن: "من قام بمثل هذا الحادث الإجرامي هو شخص خسيس جبان غدار"، وبالمقارنة بين من قام بالقتل في رابعة والنهضة وما بعدهما ما توصيفه القانوني؟
الأزهر يؤيد مجزرة ويدين أخرى
أدان "الأزهر" الذي يسيطر عليه العسكر منذ انقلاب جمال عبدالناصر، مجزرة كاتدرائية العباسية فى بيان رسمي له، حيث صرح الشيخ “محمد مهنا”، مستشار شيخ الأزهر، فى بيان: “لن ينال من وحدة الوطن وأبنائه، مشددا على أن الشعب المصري أكثر وعيا من أن ينال المجرمون من وحدته".
وأعلن الأزهر الذي أيد قاتل مجزرة رابعة والنهضة، تضامنه مع الكنيسة قائلا فى البيان إن «استهداف دور العبادة وقتل الأبرياء أعمال إجرامية تخالف تعاليم الدين الإسلامي وكل الأديان الذي دعا إلى حماية دور العبادة واحترامها والدفاع عنها»، في حين أن العالم كله ومعهم الأزهر شاهدوا حرق مسجد رابعة والجرحى أحياء بالداخل، وإطلاق الرصاص على مسجد الفتح في رمسيس من طائرات الشرطة.
وأكد شيخ الأزهر أحد الشركاء في جريمة الانقلاب العسكري، تعازيه لقداسة البابا «تواضروس الثاني» الشريك الآخر في الجريمة، والذي وقف يساند القاتل في بيان 3 يوليو 2013.
البرادعي شارك في الانقلاب ويطالب بالحرية
من جانبه حذر الدكتور «محمد البرادعي»، نائب أول رئيس للانقلاب في 3 يوليو 2013، من أن العنف لا يولد إلا العنف، مشيرا إلى أن المخرج الوحيد مجتمع قائم علي العدل والحرية، وهو تصريح يتناقض مع تحريضه ضد الرئيس المدني المنتخب، ودعوته لإسقاط نتائج أول تجربة ديمقراطية بعد ثورة 25 يناير.
وقال «البرادعي» فى تغريدة على موقع «تويتر»: «الإرهاب الأسود مدان بكل أشكاله ومهما كانت دوافعه. العنف لا يولد إلا العنف. مُجتمع يتسع للجميع قائم على العدل والحرية والكرامة هو مخرجنا».
وتجاهل البرادعي الذي شارك في إجهاض أول تجربة للعدل والحرية والكرامة، أن تفجير الكاتدرائية يحمل نفس سيناريو تفجير الداخلية كنيسة القديسين في يناير 2011.
شعبا واحدا بوجه من يقتلنا
في الاتجاه الآخر، دعا السياسي المصري وأستاذ القانون الدكتور «محمد محسوب» وزير الشئون البرلمانية الأسبق في حكومة هشام قنديل، إلى التضامن مع ضحايا الكاتدرائية.
وكتب «محسوب» معلقا على الحادث، في تدوينة على «تويتر»، قائلا إن «الرد على تجار الدم والتمييز بين شعبنا يكون بالتضامن مع شهدائنا بالكاتدرائية، لن نكون إلا شعبا واحدا بوجه من يقتلنا.. من القديسين لرابعة لليوم».
وتفجير كنيسة «القديسين»، بمنطقة سيدي بشر بمدينة الإسكندرية المصرية، وقع السبت 1 يناير 2011، عشية احتفالات رأس السنة الميلادية، وبعد ثورة 25 يناير من نفس العام، ظهرت على صفحات الجرائد المصرية مستندات تجزم بضلوع وزير الداخلية آنذاك «حبيب العادلي» في التفجير وتكليفه جهة أمنية بتنفيذ العملية لإخماد احتجاجات الأقباط وتهدئة نبرة البابا «شنودة الثالث» بطريرك الكنيسة المرقسية، تجاه النظام الحاكم بقيادة «حسني مبارك» آنذاك.
وحذر المرشح الرئاسي السابق الدكتور «عبد المنعم أبو الفتوح» رئيس حزب «مصر القوية» من هلاك الوطن، قائلا إن «انفجار العباسية عمل خسيس وخائن ويتسم بالبشاعة والدناءة ولا مرجعية دينية ولا أخلاقية ولا سياسية له».
وتابع «أبوالفتوح» في تدوينته، «إن لم تتوحد صفوفنا فورا سنهلك ويهلك الوطن».
الانقلاب هو المستفيد
وأدان الدكتور «طارق الزمر»، رئيس حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر، التفجير الذي ضرب أحد المباني الملحقة بالكنيسة الكاتدرائية بالعباسية، مشيرا إلى أن هذه الإدانة تأتي من منطلق إسلامي ووطني.
وقال «الزمر» في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «هذه الإدانة لهذا التفجير والتي تأتي من منطلق إسلامي ووطني لا يجب أن تنسينا أن المستفيد الأول من الطائفية هو الاستبداد».
ويحظى محيط كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس وسط القاهرة، بحراسة مشددة، وتواجد أمني مكثف على مدار اليوم.
ويأتي الحادث بعد أقل من 48 ساعة من استهدف كمين أمني بشارع الهرم بمحافظة الجيزة قرب القاهرة، صباح الجمعة الماضي، ما أسفر عن مقتل 6 من عناصر الشرطة وإصابة 7 آخرين.