كتب أحمدي البنهاوي:
أجمعت هيئة كبار العلماء -في اجتماعها أمس- على مخالفة عبدالفتاح السيسي مقترح توثيق الطلاق الشفوي، كشرط لصحة وقوعه بين الزوجين، وأشار السيسي، في كلمته في احتفال بالشرطة: "إحنا كدولة معنية بالحفاظ على مجتمعها وعلينا إصدار قانون بألا يتم الطلاق إلا أمام المأذون عشان الناس تراجع نفسها". ومازح السيسي، أحمد الطيب، قائلاً: "ولا إيه يا فضيلة الإمام، تعبتني يا فضيلة الإمام".
وأكدت هيئة كبار العلماء بالأزهر -التي من يترأسها شيخ الأزهر أحمد الطيب وأعضائها علي جمعة ونصر فريد واصل ومفتي الإنقلاب وحمدي زقزوق وزير الاوقاف السابق- في بيانها أن وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ، ودعت المطلِّق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها.
وانتهى الرأي في هذا المجلس بإجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم وتخصُّصاتهم إلى (وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق).
وفي ترضية للسيسي، قالت الهيئة إن من حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةٍ تعزيريَّةٍ رادعةٍ على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه.
وحذرت الهيئة المسلمين كافَّةً من الاستهانة بأمرِ الطلاق، ومن التسرُّع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وقالت: "على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق -على خلاف إجماع الفقهاء- أن يُؤدُّوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح".
وعقدت هيئة كبار العلماء عدَّة اجتماعاتٍ خلالَ الشهور الماضية لبحثِ عدد من القضايا الاجتماعية المعاصرة؛ ومنها حكم الطلاق الشفويِّ، وأثره الشرعي، وقد أعدَّت اللجان المختصَّة تقاريرها العلمية المختلفة، وقدَّمتها إلى مجلس هيئة كبار العلماء الذي انعقد اليوم الأحد 8 من جمادى الأولى 1438هـ الموافق 5 من فبراير 2017م.
منافقون الموافقة
واستثناء من موقف هيئة كبار العلماء كان علماء آخرون مستعدون للوفاء بمطلب السيسي ومنهم آمنة نصير التي قالت: "سأقدم مشروع قانون لـ"تقنين الطلاق" خلال شهر".
أما الأوقاف فأصدرت تصريحا على لسان وزيرها مختار جمعة قائلا: "سندرس «تقنين الطلاق» وفقا لتوجيهات الرئيس السيسي".
أما الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، الأمين العام للهيئة، فقال إن الهيئة تعكف على دراسة العديد من القضايا المتعلقة بالطلاق لتقليلها، ومنها عدم وقوع الطلاق إلا بالإشهاد وعن طريق القاضى".
وأعلن الدكتور سعدالدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عن ترحيبه الشديد بدعوة عبدالفتاح السيسى، معربًا عن تقديره إثارة وطرح هذه القضية المهمة، مؤكدا أن الرئيس طالب مؤسسات الدولة بعمل قانون يمنع وقوع الطلاق الشفوى للمتزوجين رسميًا إلا بوثيقة أمام المأذون، لإعطاء الفرصة للأزواج للتصالح حفاظًا على بقاء الأسرة وتماسكها ورعاية الأبناء من التشرد والضياع، وهو ما طالبت به سابقا ومازلت أطالب به وبضرورة تطبيقه!!.
العصا من المنتصف
من جانبه، حاول الدكتور نصر فريد واصل، المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء، الإمساك بالعصا من المنتصف، وقال: إنه يجب توثيق الطلاق الشفهي خلال 30 يوما، -وفق القانون- من وقوعه مطالبا بوضع عقوبة لمن لا يوثقه.
وأضاف "واصل"، في مداخلة هاتفية لبرنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة"، مساء الأحد، أن هيئة كبار العلماء هي الجهة المختصة بتحديد مشروعية الطلاق الشفهى من عدمه، مؤكدا أن الإشهاد على الطلاق الشفهي يحفظ حقوق الزوج والزوجة.
وذكر أنه يجب على ولى الأمر وضع التشريع اللازم للعقوبة على من لا يوثق الطلاق الشفهي.
ووافقه المفتي الحالي، حول مسألة الطلاق الشفهي، وقال إن قانون الأحوال الشخصية الموجود والتطبيق القضائي والإفتائي لا يساعد أبدًا على أن نقول بأن الطلاق إذا صدر من الزوج ولم يوثقه بأنه لا يقع، ولكن بعد التحقيق والتحري إذا رأينا بأن هذا الطلاق هو واقع لا محالة فنُفتي حينها بأن هذا الطلاق واقع، ونطالب السائل أن يوثقه عند المأذون، مشيرًا إلى أن القانون المصري يُلزم الزوج بتوثيق ذلك الطلاق الذي أوقعه خلال 30 يومًا وإلا وقع تحت طائلة القانون.
وأوضح المفتي أن التطبيق القضائي يقول بأن الطلاق الشفوي يقع إذا تحقق ذلك وثبت لدى القاضي ذلك بدليل من أدلة الإثبات فإنه يقضي بوقوع الطلاق، فنحن أمام قانون يلزم القضاء بالتحقيق في المسألة ولا يوقف وقوع الطلاق على أن يوثق.
وكان نص بيان الهيئة كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان للناس من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
بشأن قضية "الطلاق الشفوي"
انطلاقًا من المسؤوليَّة الشرعيَّة للأزهر الشريف ومكانته في وجدان الأمَّة المصريَّة التي أكَّدها الدستور المصري، وأداءً للأمانة التي يحملُها على عاتقِه في الحِفاظ على الإسلام وشريعته السمحة على مدى أكثر من ألف عام من الزمن – عقدت هيئة كبار العلماء عدَّة اجتماعاتٍ خلالَ الشهور الماضية لبحثِ عدد من القضايا الاجتماعية المعاصرة؛ ومنها حكم الطلاق الشفويِّ، وأثره الشرعي، وقد أعدَّت اللجان المختصَّة تقاريرها العلمية المختلفة، وقدَّمتها إلى مجلس هيئة كبار العلماء الذي انعقد اليوم الأحد 8 من جمادى الأولى 1438هـ الموافق 5 من فبراير 2017م، وانتهى الرأي في هذا المجلس بإجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم وتخصُّصاتهم إلى القرارات الشرعية التالية:
أولاً: وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.
ثانيًا: على المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة.
هذا.. وترى هيئة كبار العلماء أنَّ ظاهرةَ شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوجَ المستخفَّ بأمر الطلاق لا يُعيِيه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علمًا بأنَّ كافَّة إحصاءات الطلاق المعلَن عنها هي حالاتٍ مُثبَتة ومُوثَّقة سَلَفًا إمَّا لدى المأذون أو أمام القاضي، وأنَّ العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكلِّ أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة، والفن الهادف، والثقافة الرشيدة، والتعليم الجادّ، والدعوة الدينية الجادَّة المبنيَّة على تدريب الدُّعاة وتوعيتهم بفقه الأسرة وعِظَمِ شأنها في الإسلام؛ وذلك لتوجيه الناس نحوَ احترامِ ميثاق الزوجية الغليظ ورعاية الأبناء، وتثقيف المُقبِلين على الزواج.
كما تُناشِد الهيئةُ جميعَ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الحذَر من الفتاوى الشاذَّة التي يُنادي بها البعض، حتى لو كان بعضُهم من المنتسِبين للأزهر؛ لأنَّ الأخذَ بهذه الفتاوى الشاذَّة يُوقِع المسلمين في الحُرمة.
وتهيب الهيئة بكلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ التزام الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء، والاستمساك بما استقرَّت عليه الأمَّةُ؛ صونًا للأسرة من الانزلاق إلى العيش الحرام.
وتُحذِّرُ الهيئة المسلمين كافَّةً من الاستهانة بأمرِ الطلاق، ومن التسرُّع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وتعريضهم للضَّياع وللأمراض الجسديَّة والنفسيَّة والخُلُقيَّة، وأن يَتذكَّر الزوجُ توجيهَ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ الطلاق أبغَضُ الحلال عند الله، فإذا ما قرَّر الزوجان الطلاقَ، واستُنفِدت كلُّ طرق الإصلاح، وتحتَّم الفراق، فعلى الزوج أن يلتزم بعد طلاقه بالتوثيق أمام المأذون دُون تَراخٍ؛ حِفظًا للحقوق، ومَنعًا للظُّلم الذي قد يقعُ على المطلَّقة في مثلِ هذه الأحوال.
كما تقترحُ الهيئة أن يُعادَ النظرُ في تقدير النفقات التي تترتَّب على الطلاق بما يُعين المطلَّقة على حُسن تربيةِ الأولاد، وبما يتناسبُ مع مقاصدِ الشريعة.
وتتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على مَن "يتساهلون" في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم.