في الوقت الذي تهلل فيه أذرع الانقلاب العسكري في مصر للتعاون المصري الروسي، وانحياز روسيا لمصر، وقوة مصر الإقليمية في ظل تقاربها مع روسيا، وتناغم السياستين الروسية والمصرية، ما يعمق الدور الإقليمي المصري، وما شابه ذلك من مجموعة من الدعايا السوداء، التي تضفي قوة وهمية للعلاقات الخارجية المصرية، لكن مع التفكير الهادئ لمسار التعاون الروسي المصري، منذ انقلاب السيسي على الرئيس مرسي، يتضح أنها علاقات تصب في اتجاه طرف آخر.
حيث اكتفى الرئيس الروسي باستقبال فاتر للسيسي، وأهداه "جاكت أحمر" وبندقية روسية، وهلل لهما إعلام الانقلاب وكأنه نصر تاريخي لمصر، لكن هذا النصر المعنوي كلف مصر مليارات الدولارات التي انصبت في الجيب الروسي، بجانب مواقف سياسية مصرية لصالح الأجندة الروسية في المنطقة، حيث انحازت مصر إلى بشار الأسد القاتل، في تناغم مع السياسة الروسية والإيرانية، بما عمق خلافات مصر العربية, بجانب سماح مصر لروسيا ببناء قواعد روسية عسكرية في سيدي براني، وهو ما تم نفيه، إلا أن الأيام القادمة ستثبت صحته؛ نظرا لاحترافية السياسة الروسية، التي تلاعب السيسي حتى اليوم بورقة عودة السياحة الروسية التي لن تأتي إلا بعد تقديم مزيد من التنازلات.
ولعل استقراء مسار العلاقات المنبطحة لروسيا، يمكننا من رؤية المنافع الروسية من مصر في مقابل الخنوع المصري، ومنها:
1- الفراخ الروسية المجمدة إلى مصر
في أغسطس الماضي، قالت شركة «تشيركيزوفو» الروسية إنها أرسلت بالفعل شحنة من الدجاج المجمد، في يونيو، إلى مصر مكونة من 270 طنًا. وأكدت أن الكمية المصدرة من هذه الشركة وحدها إلى الجانب المصري، ستبلغ 10 آلاف طن نهاية العام الحالي، ما كان له أبلغ الأثر في التأثير على الثروة الداجنة في مصر، وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين عامل.
2- قمح الإرجوت المسرطن
حيث تم إقالة مسئول هيئة الحجر الصحي لتصديره لمصر، التي انبطحت أمام شروط روسيا واستوردت القمح المصاب بالإرجوت المسرطن، حيث قالت الهيئة العامة للسلع التموينية إنها اشترت 240 ألف طن من القمح الروسي، إضافة إلى شراء 180 ألف طن من القمح الروسي بمتوسط سعر 187.11 دولارا للطن شاملة تكلفة الشحن. وأكد تجار أن الهيئة اشترت أيضا 60 ألف طن إضافية من القمح الروسي بسعر 186.80 دولارا للطن شاملة تكلفة الشحن، مع تأكيد أن هذا القمح الروسي مصاب بالإرجوت المسبب للسرطان وغير صالح للاستهلاك الآدمي.
3- مليارات التسليح
وأنفقت مصر على التسليح من روسيا، خلال العامين الماضيين، ما يزيد علن 10 مليارات دوﻻر على أقل تقدير، وذلك بعدما أمدت روسيا مصر بنحو 70% من صفقات التسليح.
وقامت مصر بدفع 3 مليارات دولار قيمة صفقة طائرات "ميج 29"، وطائرات عمودية من نوع "إم.آي 35"، وأنواع ذخائر أخرى، و3.5 مليارات دولار قيمة صفقة أسلحة روسية تمت أثناء زيارة السيسي لروسيا في 2014، و500 مليون دولار صفقة الصواريخ المضادة للطائرات "أنتي – 2500"، و50 مروحية من طراز "تمساح" تسعى مصر هذا العام لإتمام صفقة شرائها من روسيا للتمركز على الحاملة "ميسترال".
وتأتي هذه الصفقات في ظل انحدار اقتصادي تام وأسلحة لا يحتاجها الجيش المصري في الوقت الحالي.
4- فضيحة ميسترال
واشترت مصر حاملة الطائرات "ميسترال"، وفقًا لاتفاقية بين مصر وفرنسا تم توقيعها بأكتوبر ٢٠١٥. وتبلغ التكلفة الإجمالية لها نحو 451 مليون يورو بما يعادل نحو 600 مليون دولار أمريكي. ووقع البلدان اتفاقية لشراء أسلحة تشمل طائرات مقاتلة، وسفنًا حربية، ونظام اتصالات عسكري بقيمة 1.1 مليار دولار.
وتفجرت الفضيحة حينما قال أنتوني ماتشيريفيتش: إن مصر يمكن أن تسلم حاملتي المروحيات "ميسترال" المصنوعة في فرنسا لروسيا مقابل سعر رمزي قدره دولار أمريكي واحد.
جاء ذلك في كلمة ألقاها الوزير في جلسة استماع بالبرلمان البولندي. ولم يخض في التفاصيل، مكتفيا بالقول إنه يملك معلومات عن عملية تسليم السفينتين لروسيا "من مصادر ذات مصداقية".
وكانت فرنسا قد صممت حاملتي المروحيات من طراز "ميسترال" من أجل روسيا، لكنها تراجعت وقررت بيعهما لمصر بعد إعادة شبه جزيرة القرم ضمن الأراضي الروسية.
5- منح روسيا 2 مليون متر
تم منح روسيا 2 مليون متر في المنطقة الصناعية المزمع إقامتها بمنطقة قناة السويس بالمجان لإنشاء منطقة صناعية روسية، وأعلن أحمد درويش، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لتنمية محور قناة السويس، موافقة مصر على منح روسيا مليوني متر مربع من الأرض، لبدء تحويلها إلى مرافق في شرق بورسعيد، لتصبح المنطقة الصناعية الروسية في مصر.
وبحسب خبراء ومحللين، فإن الاتفاقيات والصفقات غير المدروسة كبدت خسارة ضخمة للاقتصاد المصري، وهو ما انعكس بالسلب على الشعب المصري الغارق في الأزمات والمشكلات ولا يجد قوت يومه أو علاجه.
6- بيع محطة نووية منتهية الصلاحية بضعف ثمنها.
كما تم بيع محطة نووية منتهية الصلاحية بضعف ثمنها لمشروع الضبعة، حيث كشف الدكتور علي عبد النبي، الخبير في محطات الكهرباء، عن أن تكلفة مفاعل الضبعة أعلى من سعره بكثير، قائلا، في إحدى مقالاته الصحفية: "أنا لا أشكك فى التكنولوجيا الروسية، ولا أعيب عليها فى شيء، ولكنى أقول إن لكل رتبة ودرجة من رتب ودرجات جودة التكنولوجيا لها سعر، ولك أن تختار لتلبية احتياجاتك طبقا لإمكانياتك المادية، فالسوق مفتوحة أمامك، وفى بعض الأحيان تلعب السياسة دورا هاما فى اختيارك لتكنولوجيا معينة، وهذا ينطبق على المحطات النووية لتوليد الكهرباء، فالعامل السياسى أدى إلى اتجاه مصر إلى روسيا، والشراء منها بالأمر المباشر".
وتابع "ولكننا نرى أن هناك قرضا روسيا مقداره 25 مليار دولار يغطى المكون الأجنبى، وهو يمثل 85% من ثمن 4 محطات نووية، أى أن سعر محطات الضبعة هو 29.5 مليار دولار، وبذلك يكون سعر المحطة الواحدة 7.35 مليارات دولار، وهو سعر مُرضٍ ومقبول ومناسب مقارنة بأسعار المحطات النووية الغربية، ولكنه ليس سعرا لقطعة أو بيج ديل، لأننا لو قارنا بين أسعار المحطات النووية التى تمت فى الاتفاق بين تركيا والصين وفى الاتفاق بين إيران وروسيا، نجد أن مشروع الضبعة أغلى فى السعر".
وعندما نتحدث عن مشروع 4 محطات نووية بالضبعة من جانب تكلفة تنفيذ المحطات، نقول إن هناك سعرا للمحطات يساوى 29.4 مليار دولار، وهذه المحطات تعطى 4800 ميجاوات، وبالتالى فإن 29.4 مليار دولار مقابل 4800 ميجاوات كهرباء من محطات نووية. وهنا نقول إن الـ1000 ميجاوات تساوى 6.2 مليارات دولار، بمعنى أن كل كيلووات يساوى 6200 دولار.
وبسرعة نستطيع أن نقول: إن الاتفاق بين روسيا وإيران، والاتفاق بين الصين وتركيا لبناء محطات نووية، يعتبر أرخص من الاتفاق بين روسيا ومصر لبناء 4 محطات بموقع الضبعة، والفرق هو 1200 دولار لكل كيلووات، فمن يتحمل هذا؟.
المشكلة تكمن فى أننا ارتبطنا بالسعر قبل أن نرتبط بالمواصفات الفنية، وبالتالى لا تستطيع إدخال تعديلات جوهرية فى مواصفات المحطة كما فعلت الهند والصين مع روسيا.
ولعل هذا الاستعراض يثبت أن روسيا استفادت من مصر أكثر مما استفادت مصر من روسيا،
بل دفعت مصر من قوت شعبها المليارات لصالح روسيا، ولسان حال السيسي ونظامه: "مش مهم ندفع لروسيا وندعم صناعتها وزراعتها.. المهم "تحيا مصر"!.