كتب رانيا قناوي:
أكد الكاتب الصحفي وائل قنديل، أن القول بأن الغاضبين من أجل الخبز لا يصنعون ثورة، لا يختلف عن مقايضة السلطة للمواطن على حريته وعقله مقابل أمنه وبطنه، موضحا أنه في كل مرة تندلع تظاهرات، تحت ضغط الأزمة الاقتصادية في مصر، يشتعل الجدل بشأن جدارة الفقراء بالغضب وبالثورة، ويتمدد السؤال المتكرر، مثل ثعبان أسود: كيف لمن لم تهزهم مشاهد الدم والقتل أن يثوروا ويغضبوا؟! ويكون السؤال متبوعًا، في الغالب، بسخرية من الذين رقصوا وصفقوا وطفلوا للاستبداد، أمام لجان الانتخابات، وقد تصل السخرية إلى حدود الشماتة المباشرة، والتشفي في الذين كانوا وقودًا لماكينة الطغيان والفشل التي دخلت الخدمة في الثلاثين من يونيو 2013.
وأضاف قنديل -خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد"، اليوم الأربعاء- أنه في تظاهرات الخبز التي شهدتها مدن مصرية أمس الثلاثاء، انتقل الجدل إلى مراحل أكثر عبثية، إذا كان البسطاء يواجهون آلة القمع، والفض، وحدهم، في الشوارع، بينما النخب تواجه بعضها بعضاً على "السوشيال ميديا"، في استعادة مضحكة للجدل القديم: الخبز، أم الحرية؟ وكأنه ليس مسموحاً بأن يطالب المواطن المصري بالاثنين، ويحصل عليهما، فتجد شططاً في ممارسة عنصرية سخيفة، ينتهي إلى الجزم بأن من ينتفض طلباً للخبز، لا يستحق الاحترام أو الدعم.
وأشار إلى أن هذا المنطق هو ما تردّده أجهزة السلطة المستبدة على مر العصور، في مصر وغيرها، إذ يقايضون المواطن على حريته وكرامته، بخبزه، ويحشرونه في تلك المساحة الضيقة من الاختيار: طعامك أم كرامتك؟ وذلك انطلاقاً من قناعة المستبدين بأن الذين لا يجدون غذاءهم لا يمكن أن يثوروا أو يغضبوا من أجل معانٍ وقيم إنسانية وأخلاقية، كالحرية والكرامة والعدل والحق والخير.
وأكد قنديل أن ممارسة هذا النوع من الاستعلاء الممجوج، بالذهاب إلى أن نداء الجوع لا يكفي لإحداث ثورة، هو كلام يخلو من أي وجاهةٍ، فضلاً عن أنه لا يفعل سوى إخماد كل تحرك شعبي عفوي بسيط، وأظن أن واحداً من أخطاء ثورة يناير أنها وقعت في فخ الاستعلاء على احتياجات الجماهير المادية، ومن الخطأ الجسيم أن يعتبر بعضهم أن الثورات فعل ثقافي محض، ينبغي أن ينطلق من تنظيراتٍ فكريةٍ ضخمة، وقضايا مفاهيمية هائلة في مفرداتها ومصطلحاتها، أو لا يعترف بغضب أو انتفاضةٍ، إلا إذا كان في صدارتها رموز مشهورة، ومن خلفها أيقونات محترفة.
وقال: "ليس مطلوبًا في من يثورون ويغضبون أن يؤلفوا كتاب "فلسفة الثورة"، قبل أن يتحرّكوا ويدعوا الناس إلى التحرك، ولا يعقل أن نصادر حق البشر في التعبير عن آلام الجوع والفقر والتأزم المعيشي، بحجة أن الثورة لا بد لها من شعاراتٍ أكثر تقعيرًا، تتحدّث عن القيم الكلية المجردة، إذ لا تعارض أبداً بين مطلبي الخبز والحرية، أو بين الاستجابة لهتاف البطون وتلبية نداء العقول. فمن يطلب الخبز، بالضرورة، يسعى إلى الحرية، وليس صحيحًا أن الجوعى لا يطالبون بالحرية والعدل والكرامة".