خفض الفائدة : إنعاش اقتصادي أم محاولة لتجميل أزمة ديون خانقة؟

- ‎فيتقارير

في خطوة بدت متوقعة أكثر منها علاجية، قرر البنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة بنسبة 1%، ليصل سعر الإيداع إلى 20% والإقراض إلى 21%، في خامس خفض متتالٍ خلال عام 2025، وبإجمالي تراجع بلغ 7.25% منذ مطلع العام. ورغم التبريرات الرسمية التي تربط القرار بتراجع معدلات التضخم ودعم النشاط الاقتصادي، يثير هذا الخفض تساؤلات جوهرية حول جدواه في اقتصاد يرزح تحت أعباء ديون غير مسبوقة، وعجز مالي متفاقم، وتآكل حاد في القوة الشرائية للمواطنين.

خفض الفائدة… قراءة خارج الخطاب الرسمي

يقدّم البنك المركزي القرار باعتباره انعكاساً لتحسن مؤشرات التضخم، التي تراجعت – وفق بياناته – إلى 12.3% في نوفمبر/تشرين الثاني، مدفوعة بانخفاض حاد في تضخم السلع الغذائية. غير أن هذا التراجع، بحسب مراقبين، لا يعكس تحسناً هيكلياً في الاقتصاد، بقدر ما يعكس انكماش الطلب نتيجة إفقار واسع النطاق، وتراجع القدرة الشرائية بعد موجات متلاحقة من التعويم ورفع الدعم وزيادات الأسعار.

فالتضخم المنخفض هنا ليس نتاج زيادة الإنتاج أو تحسن الدخول، بل نتيجة طبيعية لاقتصاد أُنهك فيه المستهلك، وتقلصت فيه معدلات الاستهلاك القسري، خاصة في السلع الأساسية.

اقتصاد مثقل بالديون… والفائدة تُخفَّض لإنقاذ الخزانة؟

يأتي خفض الفائدة في وقت تجاوز فيه الدين العام مستويات قياسية، مع تصاعد تكلفة خدمته التي تلتهم النصيب الأكبر من الموازنة العامة. ويذهب محللون إلى أن الهدف غير المعلن من التيسير النقدي هو تقليل كلفة الاقتراض الحكومي، وليس تحفيز الاستثمار الحقيقي أو دعم القطاع الخاص، الذي لا يزال يعاني من هيمنة الدولة والمؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد.

فخفض الفائدة، في هذا السياق، يبدو أقرب إلى محاولة لتخفيف الضغط عن المالية العامة، وإعادة تدوير الدين، بدلاً من كونه جزءاً من استراتيجية تنموية شاملة تعالج جذور الأزمة الاقتصادية.

نمو على الورق… وأزمة في الواقع

يتحدث المركزي عن نمو للناتج المحلي بنحو 5%، مدفوعاً بقطاعات مثل الاتصالات والتجارة والصناعات التحويلية غير البترولية. إلا أن هذا النمو، بحسب منتقدين، لا ينعكس على حياة المواطنين، في ظل استمرار ارتفاع أسعار الخدمات، وتآكل الأجور، واتساع رقعة الفقر، وغياب العدالة في توزيع ثمار النمو المزعوم.

كما أن خفض الفائدة لم يواكبه أي تحسن ملموس في مناخ الاستثمار، أو تراجع في معدلات البطالة، أو انفراجة في أزمة العملة الأجنبية، ما يضع علامات استفهام حول فعالية السياسة النقدية في ظل اختلالات هيكلية عميقة.

مخاطر كامنة خلف التيسير النقدي

رغم تعهد المركزي بالوصول إلى مستهدف تضخم 7% بحلول نهاية 2026، تبقى المخاطر قائمة، خاصة مع استمرار رفع أسعار الوقود، وتطبيق إجراءات تقشفية جديدة مرتبطة بشروط صندوق النقد الدولي، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية التي قد تعيد إشعال موجات تضخمية جديدة.

ويحذر خبراء من أن الإفراط في خفض الفائدة دون إصلاح حقيقي للاقتصاد الإنتاجي قد يؤدي إلى هروب الاستثمارات الساخنة، ويضغط على الجنيه، ويقوّض الاستقرار النقدي على المدى المتوسط.

إدارة أزمة مزمنة

في المحصلة، لا يبدو خفض أسعار الفائدة خطوة تعكس تعافي الاقتصاد المصري بقدر ما تكشف عن إدارة أزمة مزمنة بسياسات قصيرة النفس. فبين تضخم تراجع بفعل الفقر، ونمو لا يشعر به المواطن، وديون تتراكم بلا أفق واضح، يظل السؤال مطروحاً:

هل تُدار السياسة النقدية لخدمة الاقتصاد الحقيقي، أم لتسكين أوجاع نظام اقتصادي مأزوم؟