قبل أيام استدعت الأجهزة السلطوية الكاتب والروائي عمار علي حسن لـ5 ساعات بتوجيه من وش قفص العسكر كامل الوزير (ذو مناصب متعددة في وزارات حكومة السيسي منها نائب رئيس الحكومة ووزير النقل والصناعة) بعد انتقادات وجهها لفناكيش مشاريعه، إلا أن انتقاد الكاتب والروائي لم يعاود وجهته الأولى بل تناول عمار علي حسن تنظيم داعش كتنظيم عالمي، ولم يكتفِ بالحديث عن داعش بل ربطها بالجماعة الإسلامية في مصر وبأحداث رابعة العدوية، ومن ثم بالإخوان المسلمين، زاعما أن الإخوان هم من يحملون أصحاب التوجهات العنيفة على ظهورهم، ما جعل مقاله يُقرأ كرسالة سياسية داخلية أكثر من كونه تحليلًا فكريًا.
وهو الربط الذي فجّر الجدل، فاعتصام رابعة العدوية ما زال ملفًا شديد الحساسية في مصر، وكل محاولة لإعادة توصيفه تُقرأ سياسيًا أكثر من كونها تحليلًا أكاديميًا فضلا عن الاتهام المباشر للجماعة الإسلامية والربط بينها وبين داعش ما يعد تشويهًا لتاريخها عند أنصارها، بينما يراه خصومها توصيفًا واقعيًا.
وفي مقاله ربط عمار علي حسن بين الفكري والتنظيمي معتبرا أن الجماعة الإسلامية هي "المفرخة الأولى" التي صدّرت خطابًا متشددًا، وأن داعش ما هو إلا امتداد أكثر تطرفًا لهذا الخطاب.
خلط غير صحيح
وعلق الكاتب أحمد هلال على كتاب "شبه دولة: القصة الكاملة لداعش" لعمار علي حسن، بقراءة نقدية في الخطاب التمهيدي وركّز على أن هذا الخطاب لا يقدّم دراسة أكاديمية محايدة، بل يوظّف الظاهرة الإرهابية لتبرير الاستبداد السياسي.
ورأى أن المقال الذي كتبه عمار على حسن في استعراضه للكتاب خلط فيه بين داعش والإخوان ويرى الكاتب أن عمار علي حسن يربط داعش بالإخوان المسلمين بشكل تكتيكي لا تحليلي.
وأشار إلى أن الهدف من هذا الربط هو:
تضخيم التهديد: جعل الإخوان مساوين لداعش في الخطورة.
تسويغ القمع: تبرير الإجراءات الأمنية ضد الإخوان باعتبارها جزءًا من "الحرب على الإرهاب".
تصفية حساب أيديولوجي: استخدام فزاعة داعش لضرب كل التيارات الإسلامية السياسية دون نقاش موضوعي.
والنخبة المثقفة كأداة للاستبداد
وأشار "هلال" إلى أن الخطاب يكشف عن انزياح خطير في دور المثقف من ناقد مستقل إلى: مشرعن للاستثناء الأمني: تحويل الطوارئ الدائمة إلى "حرب أفكار" شرعية. وأنه كاتب سيناريو للتبرير: تقديم رواية فكرية تلمّع السلطة. ومحارب في معركة السلطة: المشاركة في تخوين كل معارض. والنتيجة: المثقف يتحول إلى "سجّان فكري" بدل أن يكون حارسًا للحرية.
وعن العواقب أشار إلى إعاقة الفهم الحقيقي لداعش بتجاهل العوامل الدولية والاجتماعية والاقتصادية التي أنتجت التنظيم وتأجيج الاستقطاب المجتمعي بترسيخ فكرة أن الصراع بين "النخبة الوطنية" و"معسكر التطرف والخيانة".
والأخطر برأي أحمد هلال هو منح الشرعية للاستبداد: تقديم صورة أن القبضة الحديدية ضرورة وجودية وليست خيارًا سياسيًا.
وعن الخطاب البديل المقترح لفت أحمد هلال إلى أهمية فصل المجالات بالتمييز بين دراسة التنظيمات الإرهابية وبين تقييم الحركات الإسلامية السياسية وأهمية استعادة استقلالية المثقف بالعودة لدور الناقد المستقل الذي يحاكم السلطة والمعارضة معًا.
ورأي أنه عند تحليل متعدد الأبعاد لا بد من تجاوز الرؤية الأمنية الضيقة إلى تحليل اقتصادي واجتماعي وجيوسياسي. كما رفض منطق "إما معنا أو مع الإرهاب" وأعتبر أن الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان هو الحصن الحقيقي ضد التطرف.
المثقفون فاتورة الانقلاب
وكما أن عمار علي حسن لم يذكر اسما محددا بل ذكر الهيئة أو المؤسسة ذاتها علق د. طارق الزمر @drtarekelzomor (قيادي سابق في الجماعة الإسلامية) بمقال عنوانه "كيف دفع المثقفون في مصر فاتورة انقلابهم؟" وهو ما يعد تلميحًا لنفي ما ذهب إليه الروائي عمار علي حسن.
وتدور فكرة المقال الرئيسية عن المثقفين المصريين الذين دعموا انقلاب 3 يوليو 2013 وكيف أنهم دفعوا ثمنًا سياسيًا وأخلاقيًا باهظًا، إذ تحوّلوا من شركاء متوهمين في "تصحيح المسار" إلى أدوات مؤقتة استُخدمت ثم أُقصيت، وفقدوا دورهم التاريخي كضمير الأمة وحارس الحرية.
وتناول "الزمر" مقاله ضمن عدة محاور أولها: قبل الانقلاب وكيف أن كثيرًا من المثقفين ظهروا في الإعلام كـ"منقذين"، معادين لأول رئيس مدني منتخب، ومؤسسين لتحالف ثقافي ضد التجربة الديمقراطية.
ثم انتقل إلى محور بعد الانقلاب مباشرة حيث ظنوا أن السلطة الجديدة ستمنحهم نفوذًا ومكانة، لكنهم اكتشفوا سريعًا أن العسكر لا يرون في المثقف شريكًا بل موظف يُستخدم ثم يُستبعد.
وعن الفاتورة السياسية أشار"الزمر" أمين عام حزب البناء والتنمية (الجسد السياسي للجماعة الإسلامية) إلى تقلص مساحة الحرية، وإغلاق صحف وبرامج، وإقصاء حتى بعض من دعموا الانقلاب، ليجد الجميع أنفسهم تحت قبضة القمع بلا تمييز.
و"الزمر" و"علي حسن" من قرى الجيزة ولذلك رأى الأول أن مصداقية المثقف انهارت أمام الأجيال الجديدة، إذ بدا وكأنه خان دوره التاريخي وانحاز للاستبداد ضد الحرية وأن المفارقة المؤلمة أن من دعموا الانقلاب خوفًا على "الدولة المدنية" رأوا بأعينهم كيف ذابت تلك الدولة في قبضة عسكرية صريحة.
وخلص الزمر إلى أن المثقف الذي يتخلى عن الدفاع عن الحرية يتحول إلى مجرد رقم في ماكينة الدعاية، والاستبداد لا يحمي أحدًا بل يبتلع الجميع.
ويقدّم مقال طارق الزمر شهادة على أن المثقفين الذين صفقوا للانقلاب وجدوا أنفسهم لاحقًا في صمتٍ خانق، فاقدين دورهم ومصداقيتهم، وأن مصر دفعت معهم ثمنًا باهظًا من الحرية والكرامة.
