انهيار العقارات أصبحت ظاهرة لا تتوقف فى زمن الانقلاب الدموى فى ظل تجاهل غريب من جانب هذا النظام لشكاوى المواطنين واستغاثاتهم من عقارات مهددة بالانهيار وكان آخر هذه الاستغاثات من مواطنين في حي عابدين بالقاهرة، عبر خطاب عاجل إلى رئيس الحي ومحافظ القاهرة الانقلابى بخصوص عقار قديم في شارع سامي البارودي.
وطالب السكان بتنفيذ قرار الهدم الصادر للعقار فورًا، معتبرين أن أي تأخير قد يؤدي إلى كارثة حقيقية. ورغم أن العقار صادر له قرار ترميم بالفعل فإن تنفيذه متوقف منذ شهور. فيما يؤكد الأهالي أن مالك العقار يشتكي من تعقيدات إدارية عطلت التنفيذ، ويطالبون بتدخّل الجهات المعنية قبل حدوث كارثة.
يشار إلى أنه خلال العام 2025، شهدت عدة محافظات سلسلة من حوادث الانهيارات الجزئية والكاملة في مبانٍ قديمة، ما أعاد تسليط الضوء على أزمة العقارات المتهالكة وغياب الصيانة الدورية.
170 حادثا
فى هذا السياق رصد تقرير أعده مرصد انهيار العقارات 170 حادث انهيار عقار خلال الفترة من يناير حتى يونيو من العام 2025، في معظم محافظات الجمهورية.
وبحسب التقرير، سجلت هذه الحوادث 42 انهيارًا كليًا و128 انهيارًا جزئيًا، وأسفرت عن تأثر 562 أسرة، وإصابة 197 شخصًا (152 من الذكور و45 من الإناث)، و99 حالة وفاة (55 ذكرًا و44 أنثى).
فيما كشفت قاعدة البيانات عن حجمَ الإهمال الإداري والتقاعس عن تنفيذ القرارات الرسمية، وهي أزمة متكررة يوميًا في بيوت المصريين حيث تتصدع الجدران وتعيش الأسر في انتظار تحركٍ جاد قبل أن تقع الكارثة.
وأكدت قاعدة البيانات أن الأماكن الحضرية كانت الأكثر تضررًا مقارنة بالريف، إذ سجلت 121 حادث انهيار كلي وجزئي في المدن مقابل 49 حادث انهيار في القرى.
وأشارت إلى أسباب انهيار العقارات موضحة أن قدم العقار وتهالكه كان السبب الأكثر شيوعًا، إذ سجل 140 حالة من بين 170 انهيارًا موثّقًا في النصف الأول من 2025، أي ما يعادل أكثر من 80% من الحالات. وتأتي الأسباب الأخرى بنسبة أقل، مثل الانهيار الناتج عن حريق أو بسبب عقار مجاور، والأعمال الإنشائية وكذلك العوامل المناخية وغيرها.
المجالس المحلية
من جانبه أكد الباحث ومحلل سياسات الإسكان والعمران يحيى شوكت أن انهيار العقارات ظاهرة قابلة للتفادي بالكامل، إذا تم تطبيق السياسات المنصوص عليها في القانون، وفي مقدمتها تفعيل دور المجالس المحلية الشعبية.
وقال شوكت في تصريحات صحفية : هذه المجالس، توفر مستوى من الرقابة أكثر دقة وفاعلية من مجلس نواب السيسي، نظرًا لطبيعتها القاعدية وانتشارها الواسع، إذ تضم ما يقرب من خمسين ألف عضو مقارنة بنحو ستمائة نائب فقط. وهو ما يجعلها الأقرب لمتابعة الأزمات العمرانية على الأرض، ورصد المخالفات، ونقل شكاوى السكان إلى الأجهزة التنفيذية ومتابعة إجراءات التعامل معها.
وأوضح أن نقل صوت المواطنين لا يكفي وحده، إذ يتطلب الأمر تفعيل صندوق ترميم العقارات المنصوص عليه في قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، باعتباره الآلية الأساسية لدعم صيانة وترميم المباني الآيلة للسقوط مؤكدا أن ترميم المباني القائمة، أقل كلفة وأكثر سرعة من نقل السكان إلى مساكن بديلة، فضلًا عن كونه الخيار الأكثر عدالة اجتماعية والأقل إضرارًا بالنسيج المجتمعي، ويضمن الحفاظ على أكبر قدر ممكن من البنية العمرانية التاريخية والراسخة داخل الأحياء.
خط الدفاع الأول
وأكد الباحث بملف الحق في السكن إبراهيم عز الدين أن غياب المجالس المحلية المنتخبة يمثّل أحد أبرز أسباب ضعف منظومة الإدارة المجتمعية وتراجع القدرة على الرقابة العمرانية.
وقال عز الدين في تصريحات صحفية ان هذه المجالس كانت تمثّل حلقة الوصل الأساسية بين السكان والأجهزة التنفيذية، وتضطلع بدور حيوي في رصد المشكلات مبكرًا (من تصدعات المباني إلى التعديات البنائية) ما يجعلها خط الدفاع الأول أمام كوارث الانهيار مشيرا إلى أنه مع غيابها منذ عام 2011، تراجعت المشاركة المجتمعية، وتلاشت الرقابة اليومية على العمران، لتصبح الأحياء بلا متابعة فعلية، ويزداد خطر انهيار المباني دون مساءلة أو تدخل سريع.
وأشار إلى أن برامج التطوير العمراني، مثل مشروع مثلث ماسبيرو، اتسمت بدرجة واضحة من الانتقائية؛ إذ انصبت على المناطق ذات القيمة الاستثمارية العالية، بينما تُركت مناطق أخرى تعاني من الإهمال والتدهور لأنها لا تمثل عائدًا اقتصاديًا مباشرًا مؤكدا أن هذه المقاربة القائمة على الجدوى المالية فقط أنتجت تفاوتًا اجتماعيًا ومكانيًا بين مناطق حظيت بالتطوير وأخرى بقيت مهددة بالانهيار، في انتهاك صريح لفكرة العدالة المكانية وحق المواطنين في بيئة عمرانية آمنة ومتوازنة.
وشدد عز الدين على أن انهيار العقارات وغياب خطط التطوير الشاملة يتعارضان جذريًا مع الحق في السكن الآمن والملائم، وهو حق صريح تكفله الدساتير والاتفاقيات الدولية موضحا أن المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تضمن “مستوى معيشيًا كافيًا يشمل المأوى الملائم”، وتلزم الدول باستخدام أقصى مواردها المتاحة لضمان تحسين ظروف السكن تدريجيًا. وعليه، تتحمل دولة العسكر مسئولية قانونية وأخلاقية لضمان السكن الآمن عبر سياسات إسكان عادلة، وتخطيط عمراني منظم، ورقابة فعالة على المباني القديمة، خاصة في المناطق الفقيرة والمزدحمة.
منظومة قانونية
واعتبر أن أحد جذور الأزمة يتمثل في غياب منظومة قانونية وإدارية فعّالة للصيانة لافتا إلى أن القوانين تركّز على الترخيص والبناء، لكنها تتجاهل مرحلة ما بعد السكن، حيث لا توجد جهة محلية مكلفة بمتابعة الحالة الإنشائية للمباني أو الإشراف على الصيانة الدورية.
وقال عز الدين : مع غياب هذه المنظومة، أصبحت المسئولية على السكان وحدهم، رغم محدودية قدراتهم المالية والمعرفية مؤكدا أن غياب قاعدة بيانات وطنية دقيقة لحصر المباني المهددة بالانهيار، وضعف تنفيذ القانون أدى إلى تفاقم الوضع وتحويل الانهيارات إلى مسألة وقت لا أكثر.
وطالب بإعادة بناء منظومة الإدارة العمرانية من أساسها، بدءًا من تفعيل المجالس المحلية المنتخبة، ووضع تشريعات تلزم بالصيانة الدورية، وإنشاء جهاز فني محلي مختص بسلامة المباني، وتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية محذرا من أنه بدون هذه الإصلاحات، سيظل الحق في السكن الآمن مجرد وعد قانوني لا يجد طريقه إلى التطبيق.