كان واضحا أن العسكر لا يعنيهم مشهد “انتخابات” إلا في تكريس المسرحيات والديكور “السياسي” الخالي كليا من المضمون، ضمن محاولة تجميل القبيح، وهو ما دأبت عليه محاولة الأنظمة القائمة على السطوة الأمنية أن تُظهر العملية الانتخابية وكأنها نزيهة وشفافة، بينما في الواقع يتم التحكم في النتائج أو تزييف الإرادة الشعبية.
ولجأ السيسي وعصابة الانقلاب في أجهزته الأمنية إلى عدة أمور منها الإنفاق على تنظيم لجان، وصناديق، وديكور وخيام حول اللجان (المدارس في الأغلب) وإشراف شكلي، لكن دون ضمانات حقيقية للنزاهة.
وأدار هذه المسرحية عبر إعلام موجه لتصوير “انتخابات” على أنها “عرس ديمقراطي” و”شفافية” و”رقابة دولية”، مع اختلاف الواقع عن ذلك وتجاهل أو إنكار أي مخالفات أو تجاوزات أو الحديث عن مآلات غير واقع التأمين على قرارات رئيس الانقلاب والتعامل الوظيفي حتى مع أسماء معارضة.
وسعى السيسي وأجهزته إلى إبراز أسماء مستقلة أو معارضة محدودة؛ لإعطاء انطباع بوجود تنوع، بينما الأغلبية محسومة مسبقًا.
وكانت النتيجة أن تحول الفساد من فعل خفي إلى مشهد تزويري علني يتم تغليفه بمظاهر شكلية في وقت يتغافل فيه المواطنون عن المطلوب منهم أمام هوة عميقة بين خطاب رسمي مزيف والواقع، ما يخلق حالة من فقدان الثقة في العملية السياسية.
المرشحون البسطاء!
الكاتب أكرم القصاص (صحفي سابق بجريدة ناصرية وحالي باليوم السابع) في مقالة له يريد أن يتحدث عن الانتخابات فيمجد وعي الناخبين وأنهم “لم ينخدعوا بالإنفاق الضخم أو النفوذ، بل اختاروا من يرونهم أصلح، حتى لو كانوا مرشحين بسطاء بإمكانات محدودة.
وذكر أسماء نواب ومرشحين نجحوا رغم ضعف الإمكانات، مقابل آخرين أنفقوا الملايين وخسروا، مدعيا أن ذلك “يعكس الاتصال المباشر مع الناس أقوى من الدعاية الضخمة”.
ومن خلال نفس معارض يتحدث إبطال الانتخابات في دوائر عديدة بسبب المال والعنف والتلاعب وثغرات كبيرة، ويرى الحاجة لتعديلات جذرية في القوائم والنظام الانتخابي.
وعلى غراره كان محامي فريق من المعارضين خالد علي وعبر حسابه ذكر مجددا أسماء هي ذاتها تقريبا التي أشار إليها “القصاص”، ” ضياء الدين داود، وعبد المنعم إمام، وأحمد فرغلي، وأحمد بلال، والدكتور رضا عبد السلام، وإعادة النائب محمد عبد العليم داوود وعماد العدل ومحمد زهران وعماد الغلبان”.
ولفته أن “هؤلاء الأربعة تحدوا كل الظروف، طافوا على دوائرهم على أقدامهم، كانوا يوزعوا دعايتهم المحدودة بأنفسهم، تمكنوا من اكتساب مصداقية لدى الناخبين، وانضم العديد من الشباب لحملاتهم..”.
وعلى غرار ضرب الهبة الشبابية ضد بيع تيران وصنافير دعا الشباب للانضمام لحملاتهم بجولة الإعادة لأنها ستكون في غاية الصعوبة بالنسبة لهم”.!
30 ألفا?!
وتساءل مراقبون عن مرشح من محدودي الإمكانيات المادية مثل الغلبان (ميت غمر)، والعدل (المنصورة)، وزهران (المطرية)، وعبد الفتاح خطاب (الهرم)، كيف سددوا -وهم يصنفون هذا التنصيف- رسوم الترشح لانتخابات نواب العسكر في مصر عام 2025 ، وكانت 30 ألف جنيه للمرشح الفردي، و120 ألف جنيه للقائمة الانتخابية.
وكان المبلغ المالي الذي سدده “محدود الدخل” بحسب هيئة الدعاية التي روجها أذرع الانقلاب هي من أجل: الحد من الترشح العشوائي أو غير الجاد، وتغطية تكاليف العملية الانتخابية والإشراف الإداري، وضمان أن المرشح لديه قدر من الجدية والقدرة المالية؟!
وبظل حالة هندستها يد للسلطة الانقلابية، فهل يمكن أن يتحدث (عرائس المعارضة) عن جهد شخصي، وتطواف بالدوائر سيرًا على الأقدام أو بدراجة بعد ذلك!
ويرى بعضهم أن دفع المبلغ لا علاقة له بالقدرة على التواصل الشعبي، بل هو شرط إداري بحت وأن بعض المرشحين يلجئون إلى دعم من رجال أعمال أو شبكات اجتماعية لتغطية التكلفة، لكن هذا يضعهم تحت ضغط النفوذ المالي.
صناعة أمنية
هندسة العملية “الانتخابية” تتطلب أدوارا وظيفية يؤديها في كثير من الأحيان “المعارضة” الشكلية، شركاء 30 يونيو، تتطلب مرشحين بسطاء أو محدودي الإمكانيات يدخلون إلى الإعادة رغم المنافسة “الشرسة” قد يُستخدم كـ”ديكور” لإثبات أن الانتخابات مفتوحة للجميع بحسب ما يروج لذلك أقلام وبرامج.
ويرى البعض أنه لو كان الهدف فقط تجميل وجه الانقلاب، كان يمكن الاكتفاء بمرشحين محسوبين على السلطة أو مستقلين “مضمونين”، لكن وجود شخصيات غير تقليدية يوحي أن فيه مساحة – ولو محدودة – للحركة الشعبية وصراع طبقات غير موجود بعد إفقار غالبية المصريين.
الأكاديمي المعارض د. محمد الشريف @MhdElsherif (وهو بالمناسبة معارض أيضا للإخوان) يعتبر أن مشكلته مع الانتخابات كانت هندستها بالقانون والأمن. القائمة المسماة بالوطنية ليست كذلك وغير منطقية.
وأوضح أن “..القانون يصادر معظم حقي في الاختيار ويعطي نصفه للأمن ومجموعة أحزاب موالية للحكومة وأحزاب أخرى صديقة بعدد مرشحين أقل ومحسوبة معارضة ونجاحهم مضمون من غير منافسة، والنصف الثاني فردي، لكن فيهم من الأحزاب الموالية أيضا”.
ويعتبر أن هذا الشكل “الانتخابي”، ” يعني أنا مؤثر على النتيجة بنسبة الربع تقريبا، وفي الانتخابات النيابية يهمني أنى أختار نواب من أفراد وأحزاب تقدر تسيطر على الحكومة، وليست تحت سيطرة الحكومة”.
وأضاف، ” طالما القانون ينص على تقليل تأثير صوتي على الاختيار أكيد سيقل اهتمامي بالإدلاء به، لأن دوافعي قلت وصوتي لم يعد مانع لاحتكار الحكومة لاختياري، ولذلك يقل الإقبال على التصويت كثيرا، وكثرت الانتهاكات في المنافسة على المقاعد الفردية”.
ويرى أن “الحكومة” استغلت فرصة المخالفات لصرف الأنظار عن ضعف المشاركة باتخاذ إجراءات جادة لإبداء حرصها على نزاهة الانتخابات لتحميس المواطنين على الإقبال على التصويت”.
ورأى أن “..الصورة تحسنت شكلا، ولكن تظل نسبة المشاركة أضعف كثيرا مما يليق. إعلامنا ركز كثيرا في الفترة الأخيرة على حث المواطنين على مقابلة حرص الحكومة على نزاهة الانتخابات بإلغائها الانتخاب في عدد من الدوائر بالمشاركة بكثافة في المرحلة الثانية حرصا على اختيار نوابا يعبرون عنهم لأهمية مجلس النواب القصوى في التشريع لكل شؤون حياتهم”.
https://x.com/MhdElsherif/status/1993367972144963711
وخلص البعض إلى أنه على المدى الطويل، لا ينجح هذا الأسلوب في إخفاء الحقيقة، بل يزيد من السخط الشعبي ،لأنه يضيف إهانة الوعي إلى إهدار الإرادة، حيث السلطة لا تكتفي بالتلاعب بالنتائج، بل تحاول أيضًا أن تبيع للناس صورة زائفة عن نزاهة، لا تساهم في إصلاح الوجه المشوّه.