أثار العثور على المستشار سمير بدر عبدالسلام، رئيس محكمة جنح مستأنف الرمل ثانٍ بالإسكندرية، متوفى بطلق ناري داخل استراحة القضاة في سموحة مساء الأحد 30 نوفمبر 2025، صدمةً واسعة في الأوساط القضائية، خصوصًا أن الجثة وُجدت وبجوارها سلاحه الشخصي، فيما رجّحت التحقيقات الأولية اتجاه “الانتحار”. لكن أسئلة كثيرة بقيت معلّقة، خاصة أن القاضي كان مشهودًا له بالنزاهة وحسن السيرة، ولم يُعرف عنه أي اضطراب أو مشكلات قد تدفعه لإنهاء حياته.
المستشار الراحل، ابن مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ويبلغ من العمر 45 عاما، شغل سابقًا مناصب قضائية في شبين الكوم قبل نقله إلى الإسكندرية قبل عامين، وكان متزوجًا وله طفلان. وأكد زملاؤه أنه كان هادئًا، مستقيمًا، حسن الخلق، ودودًا مع المحامين، ومنصفًا في أحكامه، ما جعل إعلان وفاته صادمًا لأقاربه وزملائه ونادي قضاة طنطا الذي أقام له عزاءً رسميًا.
قاضٍ بلا اضطرابات… ورواية انتحار غير مقنعة
تشير روايات من داخل المحكمة إلى أن المستشار بدر أنهى يومه بشكل طبيعي تمامًا. ترأس الجلسات، ووقّع ملفات القضايا، ولم يلحظ أحد أي تغير في سلوكه. وبعد انتهاء العمل، توجه إلى الاستراحة حيث عُثر عليه لاحقًا جثةً هامدة برصاصة واحدة.
ووفقًا للمعاينة، وُجد السلاح المرخّص بجواره، بينما ندبت النيابة خبراء الأدلة الجنائية لرفع الآثار. لكن غياب أي مؤشر على اضطراب نفسي، إلى جانب شهادات زملائه التي أكدت اتزانه واستقامته، جعل كثيرين يشكّكون في رواية الانتحار، خاصة في ظل مناخ أمني خانق يتعرض فيه القضاة لضغوط متزايدة منذ 2013.
ضغوط الأجهزة الأمنية… والقضاء بين الاستقلال والتوجيه
تقارير حقوقية عديدة — من بينها تقارير هيومن رايتس ووتش والجبهة المصرية لحقوق الإنسان والمعهد المصري للدراسات — وثّقت تدخّل جهاز الأمن الوطني في عمل القضاة، وتأثيره على آليات التقاضي والأحكام، وصولًا إلى تحديد مَن يجري الإفراج عنه أو إبقاؤه قيد الحبس الاحتياطي.
وتشير هذه التقارير إلى أن القضاء بعد 2013 دخل حالة من التماثل شبه التام مع السلطة التنفيذية، ما حوّله من سلطة مستقلة إلى أداة سياسية تُستخدم في المحاكمات الجماعية، والأحكام المشددة، وتصفية الخصوم السياسيين.
هذا المناخ الضاغط دفع مراقبين للقول إن التحقيق في مقتل المستشار بدر لا يمكن فصله عن السياق العام، خاصة أن العام 2025 شهد حالات وفاة مشابهة لرجال نيابة وقضاء، صنّفت بعضها رسميًا كحالات انتحار أو حادث، مما فتح باب الشك حول الضغوط المهنية والنفسية التي يتعرض لها أعضاء السلطة القضائية.
تعليقات قانونية وإعلامية: شكوك لا تموت
المحامي تامر أبوكليلة أشاد بعدل المستشار الراحل وسلوكه الرفيع، مؤكدًا أنه لم يرَ منه إلا إنصافًا واحترامًا لمهنة المحاماة.
أما الصحفي طه خليفة فاعتبر أن “القاضي الحقيقي لا يُؤذي نفسه”، قائلاً:
“القاضي هو ظل الله على الأرض… فكيف يصل قاضٍ إلى لحظة يطلق فيها النار على نفسه؟ يجب البحث عن الطريق الذي أوصله إلى هذه النقطة”.
بينما أشار آخرون إلى المحاباة في التعيينات القضائية وإغلاق باب العدالة أمام الكفاءات، مما أدى إلى فساد بنيوي وضعف في استقلال السلطة القضائية.
وفاة ليست الأولى
حالة المستشار بدر ليست معزولة. فقد شهد عام 2025:
-
وفاة محمد صلاح الألفي، وكيل نيابة الخانكة، بطلق ناري في منزله.
-
وفاة محمد هشام، مدير نيابة مطوبس، في حادث سير “غامض”.
-
مصرع باسل أشرف، وكيل نيابة الجيزة، في انقلاب سيارة أعلى محور 26 يوليو.
تكرار هذه الوقائع يطرح تساؤلات مشروعة حول مناخ عمل يزداد ضغطًا وقسوة على القضاة ووكلاء النيابة.
هل انتحر المستشار بدر حقًا؟
بين رواية السلطات التي ترجّح “الانتحار”، وبين شهادات زملائه التي تؤكد “اتزانه التام”، وبين مناخ عام من التسييس الأمني للقضاء، تبقى وفاة المستشار سمير بدر لغزًا مفتوحًا.
سؤال واحد يتردد بقوة:
هل كان انتحارًا بالفعل… أم مجرد عنوان جاهز لوفاة لا يريد أحد الكشف عن حقيقتها؟