إسرائيل والإمارات تتقدمان في سباق الممرات التجارية.. ومصر تدفع ثمن تراجع دورها بعد تيران وصنافير

- ‎فيتقارير

 

في الوقت الذي تتسارع فيه مشاريع نقل عملاقة تعيد رسم خريطة التجارة بين الشرق والغرب، تبدو مصر—التي طالما امتلكت الموقع الأهم عبر قناة السويس—في موقف المتفرج على تحوّلات كبرى تهدد شريانها الاقتصادي الأبرز. فمنذ التنازل عن تيران وصنافير وما ترتب على ذلك من ترتيبات أمنية جديدة في البحر الأحمر، تتصاعد مشاريع إقليمية تقودها إسرائيل والإمارات لوراثة الدور المصري في خطوط التجارة البحرية والبرية.

ممرات تتجاوز مصر.. وخطوط تربط الخليج بتركيا وأوروبا

شهدت الشهور الماضية زخما هائلا في إحياء مشاريع تمتد من الخليج إلى تركيا وأوروبا، كان آخرها اتفاق عُمان وتركيا على خط سكة حديد يربط دول الخليج بشرق المتوسط، وصولا إلى أوروبا. مشروع يُنظر إليه باعتباره إحدى أهم المبادرات التي قد تقلّص الاعتماد على قناة السويس مستقبلا.

وفي الوقت ذاته يُعاد طرح مشروع طريق التنمية (العراق–تركيا)، الذي يحوّل ميناء الفاو العراقي إلى بوابة مباشرة تربط الخليج بأوروبا عبر مسار بري–حديدي، وهو مشروع يرى فيه خبراء “البديل الأقصر والأرخص” من المرور عبر القناة المصرية.

ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا: إسرائيل في قلب اللعبة

لكن المشروع الأخطر على مكانة القاهرة يظل "ممر الهند" الذي أعلنته واشنطن وشركاؤها عام 2023. إذ يقوم على ربط الهند وأوروبا عبر الإمارات والسعودية وإسرائيل، متجاهلاً تماما قناة السويس.
وتصفه تل أبيب بممر “سكة السلام” الذي سيحوّل ميناء حيفا إلى مركز تجاري ينافس قناة السويس ويضع إسرائيل مباشرة داخل سلاسل الإمداد العالمية.

زيارة سرية لوزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف للإمارات هذا الأسبوع أعادت إحياء الممر، بعد توقفه عامين، ما يؤشر إلى أن المشروع لا يزال أولوية استراتيجية لدولة الاحتلال، بدعم خليجي وتنافس تركي–فرنسي على مسارات بديلة.

الإمارات: مركز عبور عالمي على حساب الدور المصري

تل أبيب ليست وحدها. فالإمارات، التي تستثمر بكثافة في الموانئ والممرات اللوجستية في القرن الأفريقي والخليج والمتوسط، تسعى لتكريس نفسها—بالتنسيق أو المنافسة مع إسرائيل—كعقدة أساسية للتجارة العالمية.
ويرى محللون أن الفراغ المصري في السنوات الأخيرة، وتكرار الأزمات الاقتصادية، وتراجع كفاءة القناة بفعل السياسات الحكومية، كلها عوامل شجعت أبوظبي وتل أبيب على التقدم لوراثة الدور المصري التقليدي.

مشاريع نفط تتجاوز الممرات المصرية

العواصف الجيوسياسية في البحر الأحمر ومضيق هرمز أعادت إلى الواجهة مشاريع سعودية لنقل النفط بعيدا عن نقاط التوتر، بعضها يشق طرقا برية أو ممرات مائية داخلية تصل الخليج بالبحر الأحمر، ما يقلل تدريجيا الاعتماد على ممرات تمر عبر النفوذ المصري أو بالقرب منه.

وماذا عن مصر؟

رغم أن القاهرة أعلنت مشاريع مثل سكة حديد سيناء (العريش–طابا) لتعزيز الربط مع المشرق، إلا أن ذلك لا يقارن بحجم التحولات الإقليمية الكبرى.
فالواقع أن قناة السويس تواجه اليوم أخطر تهديدات استراتيجية منذ افتتاحها، ليس بسبب أزمة واحدة، بل بسبب شبكة واسعة من المشاريع التي يجري تنفيذها أو تخطيطها لتقليل الاعتماد على الممر المصري.

ويرى خبراء أن بيع تيران وصنافير وانكشاف الأمن الملاحي في البحر الأحمر، إضافة إلى غياب سياسة مصرية واضحة لحماية موقعها الجيوستراتيجي، فتح الباب واسعا أمام اللاعبين الجدد—وفي مقدمتهم إسرائيل والإمارات—لتحويل المنطقة إلى شبكة ممرات بديلة تضع مصر على الهامش.