من وراء تصنيف الإخوان “منظمة” إرهابية ولماذا ظهر فجأة؟!

- ‎فيمقالات

بقلم د. نور الدين مهري 

لماذا ظهر فجأة مشروع تصنيف الإخوان المسلمين إرهابيين؟ الجواب بسيط لدرجة الفضيحة: القرار لم يُبنَ على أدلة…بل بُنِي على صفقة.
   
ومن دفعوا الفاتورة هم أنظمة خائفة، نسقت مع جماعات ضغط صهيونية مرعوبة، وهؤلاء وجدوا رئيسا يعتبر السياسة مزادا علنيا، ومن يدفع أكثر يربح القرار، فاستغلوا وجوده ليمرروا قرارا طالما أخفقوا في تمريره سابقا.
   
ولكن لماذا الإصرار العربي–الصهيوني على شيطنة الإخوان؟    
   لأنهم بكل بساطة فعلوا ما تعجز الأنظمة العربية عن فعله منذ عقود طويلة: وصلوا إلى الناس…. دخلوا الانتخابات ففازوا… اقتربوا من المجتمع فاحتضنهم… تقدموا بمشروع وطني فوثقت بهم الشعوب
   
وهذا ما لا تحتمله الأنظمة الوراثية والعسكرية في العالم العربي: أن يرى الناس نموذجا ناجحا، ذا جذور شعبية، يتداول السلطة دون دم… في حين أنها هي لا تحكم إلا بالحديد والنار.
   
الخوف العربي من الإخوان ليس خوفا من فكر متطرف، فالجميع يعرف أنّ أدبيات الإخوان أبعد ما تكون عن العنف، بل خوف من شرعية شعبية حقيقية لو تُركت تنمو لأطاحت بأنظمة كاملة.
   
أما الكيان الصهيوني، فحساباته أوضح: الإخوان بفكرهم، وعمقهم الشعبي، وامتدادهم الإقليمي يمثلون الخطر الوحيد طويل المدى على وجوده.
   
ليس سلاحا فقط، بل مشروعا نهضويا إذا نضج سيغيّر موازين القوة في المنطقة كلها.
   
لذلك، لا غرابة أن يكون هذا المحور العربي–الصهيوني هو صاحب فكرة التصنيف، وترامب مجرد بزنس، أعطى توقيعه مقابل العمولة، ولو كان للإخوان أموال فأعطوه أكثر مما دُفع له، لاعتبر الأنظمة العربية إرهابية
   
فهل الإخوان جماعة إرهابية حقيقة أم هم ضحايا الإرهاب؟
   دعنا نسأل السؤال بصورته الحقيقية: هل توجد جماعة في العالم العربي تعرضت لانقلابات، واعتقالات، ومجازر، وإعدامات، ثم اختارت السلمية رغم قدرتها على الرد؟
   المشهد التاريخي واضح: في مصر، أُسقطوا بانقلاب دموي، فاختاروا الشوارع لا السلاح، وقالوا مقولتهم المشهورة: "سلميتنا أقوى من الرصاص" وفي تونس، أُخرجوا من الحكم، فلم يحملوا إلا البيان والاحتجاج، وفي الجزائر والسودان والمغرب، مارسوا السياسة بأدوات السياسة.
   
وهذه ليست سلوكيات جماعة إرهابية… بل سلوكيات مدرسة سياسية عميقة الجذور، تدرك أنّ أخطر أنواع القوة هي القوة الأخلاقية.
   
أما الجماعات الإرهابية الحقيقية، فقد أجمعت على اعتبار الإخوان جماعة ضالة خائنة، لأنها ترفض التكفير والعنف واستعمال السلاح، فكيف تصبح جماعة إرهابية، وهي مرفوضة من الإرهابيين؟!
   
الحقيقة التي يخافون الاعتراف بها أن الإخوان بمفهومهم الواسع كتيار اجتماعي سياسي هم التيار الوحيد في العالم العربي الذي أثبت عبر عشرات السنين أنهم: يمثلون قاعدة اجتماعية واسعة، يحترمون صندوق الانتخابات، يقبلون تداول السلطة، يملكون مشروعا فكريا متماسكا، ويثبتون كل مرة أنهم الطرف الأكثر انضباطا وسلمية في مواجهة الاستبداد.
   
وهذه هي الحقيقة التي تخيف الأنظمة العربية، وهذه هي الحقيقة التي يريد الكيان الصهيوني طمسها، وهذه هي الحقيقة التي حاول ترامب ترجمتها إلى قرار مقابل صفقة.
   
والمفارقة الكبرى: هل سيضرّ هذا التصنيف الإخوان؟
   كلا بل سيفيدهم، فالدول الغربية التي صمدت أمام ضغط الأنظمة العربية ورفضت تصنيفهم طوال عقود كمنظمة إرهابية  كانت تعرف جيدا: أن الجماعة التي لا تحمل سلاحا، والتي لم تطلق رصاصة بعد عدة انقلابات، لا يمكن أن تُصنّف إرهابية إلا بقرار مسيّس.
   
والمظلوم حين يُتّهم ظلما، لا يضعف، بل ينكشف ظلم ظالمه.
   
وسيعرف العالم حتما أنّ هذا التصنيف لا يعكس حقيقة الإخوان، بل يعكس حجم الذعر منهم، فالذي يخاف من فكرة، هو أضعف بكثير ممن يحملها.
   
إذن: الإخوان ليسوا جماعة إرهابية، لكنهم خطر: خطر على الفساد، وخطر على الاستبداد، وخطر على الاحتلال، وخطر على الأنظمة التي لا تعيش إلا إذا ظلّ شعبها غافلا أو مقموعا.
   
وأخيرا، فلو كان للظلم أن يمنح شهادة صدق، لكانت هذه التهمة هي أكبر شهادة لهم، سيزيل الله عنهم بها سنوات من التشويه والتزوير وقلب الحقائق والاتهامات.
   
وإن هذا القرار – الذي لا يُدرى أين ستنتهي تداعياته – سيُفسد على الأنظمة العربية كل ما دفعت من أموال، وكل ما بذلت من جهود، وكل ما أنشأت من مؤسسات، وكل ما صنعت من جماعات وواجهات لتشويه الإخوان.
   
فكل تلك الحملات المموّلة، وتلك الجيوش الإعلامية، وتلك المصانع الضخمة لإنتاج الكذب. ستسقط أمام وعي الشعوب سقوطا مدويا، وسيُلقى بها في مزبلة التاريخ حيث ينبغي لها أن تكون.
   
وما أصدق قول الله تعالى في مثلهم: ﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾.