كشفت حالات الانسحاب من انتخابات مجلس نواب السيسي عن أزمة تهدد نظام الانقلاب الدموي، وتخوفه من أن يلقى مصير نظام المخلوع حسني مبارك عقب انتخابات مجلس الشعب عام 2010 ، والتي شهدت تزويرا غير مسبوق واندلاع ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظامه .
ومع اعتراف عبد الفتاح السيسي نفسه بحدوث تزوير في انتخابات المرحلة الأولى، واضطراره إلى حث الهيئة الوطنية للانتخابات على اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهة أية مخالفات، تسود حالة من التخوف بين المرشحين من أن يواجهوا نفس سيناريو مجلس 2010 ، وهو ما دفعهم ليس فقط إلى الانسحاب من انتخابات مجلس نواب السيسي، بل والاستقالة من مناصبهم في الأحزاب الكرتونية التي ترشحوا على قوائمها .
كانت المحكمة الإدارية العليا قد استقبلت طوفانًا من الطعون الانتخابية على نتائج مجلس نواب السيسي 2025، وهو ما جعل في الواجهة مشهدا آخر لا يقلّ توترًا: استقالات جماعية وانسحابات مفاجئة من خوض جولة الإعادة، خاصة داخل حزب الجبهة الوطنية. هذه الثنائية – الطعون القانونية من جهة، والانسحابات السياسية من جهة أخرى – خلقت حالة ارتباك غير مسبوقة، ودفعت المتابعين للتساؤل: هل هي مجرد مصادفة زمنية؟ أم أنّ هناك أسبابًا أعمق خلف الكواليس؟
110 طعون في اليوم الأول
يشار إلى أن المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة استقبلت صباح اليوم التالي لإعلان النتائج النهائية الطعون وفق الجدول الزمني المحدد، وخلال أول يوم فقط، 110 طعون انتخابية قُدمت من مرشحين غير فائزين.
تنوّعت الطعون بين عدة مسارات:
طعون تطالب بإلغاء العملية الانتخابية بالكامل في دوائر قالت إن بها “مخالفات مؤثرة”.
طعون تطالب بإلغاء جولة الإعادة في دوائر محددة بدعوى وجود أخطاء في عمليات الفرز أو تجميع الأصوات.
طعون ببطلان النتائج النهائية المعتمدة، استنادًا إلى مستندات وشهادات قدمها مقدمو الطعون.
شكوك في سير العملية الانتخابية
ويؤكد المراقبون أن هذا الرقم الكبير من الطعون خلال 24 ساعة يعكس أمرين:
الأول : أنّ المنافسة كانت شرسة وأن بعض النتائج لم تُرضِ شريحة واسعة من المرشحين.
الثاني : أنّ حالة الشك في سير العملية الانتخابية داخل بعض الدوائر لم تُحسم بعد، وأن فرص قلب النتائج ما تزال ممكنة عبر المسار القانوني.
وقال المراقبون: إن "المحكمة الإدارية العليا—بصفتها الجهة المختصة فصلًا وحسمًا—تلتزم بإصدار قرارات نهائية خلال 10 أيام من تاريخ تقديم كل طعن، لضمان عدم تعطيل الجدول الزمني لإعلان النتائج النهائية".
وأشاروا إلى أن هذا الضغط الزمني الكبير يجعل المحكمة تعمل سباقًا مع الوقت، بينما يتابع المرشحون المشهد بأنفاس متوترة، على أمل تغيير النتيجة أو تثبيتها.
حزب الجبهة الوطنية
على الجانب الآخر من المشهد تمثل حالة الاضطراب السياسي داخل حزب الجبهة الوطنية، مع انسحاب شخصيات بارزة من خوض مرحلة الإعادة نموذجا لفشل دولة العسكر حيث يسعى أعضاء الحزب للحصول على مناصب مقابل الملايين التي دفعوها من أجل الترشح لمجلس نواب السيسي في حين أن الجولة الأولى من الانتخابات كشفت لهم عن حقائق كارثية وأن الأمور تقودها عصابة العسكر دون اعتبار لأي أحد آخر في كل المجالات .
بداية الانفجار
أول شرارة اشعلت أحداث حزب الجبهة الوطنية جاءت من المستشار محمد سليم، المرشح عن دائرة كوم أمبو، الذي أعلن اعتذاره عن استكمال المنافسة، قائلًا:
التزمت تقوى الله ووقفت مع نفسي وقفة رجل يحترم من يقف خلفه.
وأكد أنه تقدّم رسميًا للهيئة الوطنية للانتخابات باعتذار مكتوب عن الاستمرار في السباق البرلماني، ثم أعلن استقالته من حزب الجبهة الوطنية كأمين للحزب بمحافظة أسوان.
مصادر متابعة اعتبرت أن بيان سليم لم يكن مجرد قرار شخصي، بل إشارة أولى إلى وجود توترات داخل الحزب نفسه، وربما خلافات حول إدارة الحملة أو تقييم فرص النجاح في الإعادة.
مراجعة للنفس وللمشهد العام
بعد ساعات فقط، جاء البيان الثاني الذي زاد من قلق المتابعين: اللواء كمال الدالي مرشح دائرة الجيزة والدقي والعجوزة، أعلن انسحابه من جولة الإعادة واستقالته من الحزب في الوقت ذاته.
الدالي قال بوضوح: إنه "اتخذ قراره بعد مراجعة شاملة للنفس وللمشهد العام، مضيفًا أنه لم يقترف خطأ طوال رحلته الانتخابية، وأنه التزم القيم والمبادئ، وأنه وضع المصلحة العامة فوق الطموح الشخصي".
وشدد على أن علاقته بأهالي دائرته ليست علاقة انتخابية، وأنه سيبقى بينهم ولأجلهم حتى خارج السياسة، معتبرًا أن الثقة التي منحها له الناس مكسب لا يقاس بمنصب وفق تعبيره.
المراقبون أكدوا أن هذا البيان، رغم نبرته الهادئة، يفتح الباب أمام سؤال جوهري:
هل جاءت استقالته لأسباب فردية فقط؟ أم أنها انعكاس لخلل أكبر داخل الحزب؟
وقال المراقبون: إن "الربط بين المشهدين…التزامن بين 110 طعون في يوم واحد، وبين استقالات متتابعة داخل حزب واحد، تطرح فرضيات وتساؤلات عدّة:
هل دفعت ضغوط انتخابية غير معلنة بعض المرشحين إلى الانسحاب حفاظًا على صورتهم؟
هل تكشف الاستقالات المتتالية داخل الجبهة الوطنية عن خلافات تنظيمية أو صراعات حول إدارة الحملة والدعم؟".
هل قرأ بعض المرشحين المشهد السياسي بعد إعلان النتائج باعتباره غير مناسب للاستمرار، خاصة مع تصاعد الطعون؟
هل كانت الاعتبارات الشخصية والمبدئية—من تقوى الله ووقفة الضمير—سببًا في تراجع بعض المرشحين عن خوض الإعادة؟
وتوقع المراقبون مع استمرار تلقي الطعون وارتفاع عددها، ومع الانسحابات المتتالية داخل حزب بارز، ألا تكون جولة الإعادة مجرد فصل أخير في انتخابات مجلس نواب السيسي، بل ربما تصبح ساحة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في دوائر عدة.