تتواصل فصول الفوضى التي تضرب مفاصل الدولة منذ استيلاء العسكر على السلطة، حيث تحوّل قطاع السياحة الدينية إلى أحد أبرز القطاعات التي يسيطر عليها لواءات السيسي عبر شبكاتهم وشركاتهم، ما أشعل أسعار الحج والعمرة والسفر الخارجي عموماً. وبين الزيادات الحكومية المتلاحقة في الرسوم من جهة، واحتكار كبار المتنفذين للسوق من جهة أخرى، وجد آلاف المصريين أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل أقل كلفة، فوقعوا ضحية موجة نصب هي الأكبر منذ سنوات.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الداخلية، اليوم الاثنين، ضبط 112 متهماً يديرون 27 شركة سياحية وهمية عملت بلا ترخيص، واستولت على أكثر من ملياري جنيه من عشرات الآلاف من المواطنين، بعد إغرائهم بعروض سفر دينية وسياحية بأسعار تقل كثيراً عن الأسعار الرسمية التي باتت مرهقة لغالبية المصريين.
آلاف الضحايا… وسوق فوضوي بلا رقابة
وبحسب المعلومات الأولية، بدأت القضية بعد تزايد البلاغات من مواطنين من محافظات مختلفة، تحدثوا عن شركات تقدم نفسها كجهات سياحية معتمدة، وتروج لرحلات حج وعمرة ورحلات داخلية وخارجية بأسعار «مغرية» مقارنة بالسوق الذي تضاعفت فيه التكاليف بفعل سياسات النظام واحتكار شبكات النفوذ.
وأكدت التقديرات أن عدد الضحايا قد يتجاوز 30 ألف مواطن، بعدما اختفت تلك الشركات أو امتنعت عن تنفيذ البرامج عقب جمع مبالغ مالية ضخمة، في واحدة من أكبر عمليات النصب المرتبطة بالقطاع السياحي.
منظومة نصب منظمة… تتغير أسماؤها ولافتاتها باستمرار
ونقل مصدر أمني لـ"العربي الجديد" أن المتهمين اتبعوا أساليب تمويه متعددة، من بينها تغيير مقارّ الشركات بشكل دوري، وتسجيلها بأسماء مختلفة، وإنشاء صفحات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي لمنح الانطباع بوجود كيانات متعددة بينما هي في الحقيقة شبكة واحدة تعمل بشكل هرمي.
وتبين من تحريات الأمن العام وشرطة السياحة والآثار أن تلك الجهات نصبت مقارّ تحمل أسماء شركات سياحة معروفة، وجندت مندوبين ومسوقين لاستدراج الراغبين في السفر، خصوصاً كبار السن والمتطلعين لأداء العمرة بتكلفة منخفضة.
أختام مزوّرة وجوازات وصور ضحايا… ومواد دعائية مكثفة
وشملت المضبوطات أختاماً مقلدة وأدوات توقيع تستخدم في تزوير العقود وإيصالات السداد، ودفاتر نقدية بأسماء الشركات، وصور جوازات سفر أعداد كبيرة من الضحايا، إلى جانب مئات المنشورات الورقية وإعلانات الدعاية.
تحقيقات ممتدة… وأموال طائلة مجهولة المسار
وأعلنت وزارة الداخلية اتخاذ الإجراءات القانونية وإحالة المتهمين إلى جهات التحقيق، فيما تتواصل عمليات الفحص المالي لحصر المبالغ المتحصلة من النشاط غير المشروع.
ويأتي هذا في ظل بيئة اتسمت منذ انقلاب 2013 بغياب الرقابة وتغول شبكات النفوذ على القطاعات الاقتصادية، ما فتح الباب أمام فوضى السوق وانتشار الشركات الوهمية في ظل بحث المواطنين عن خيارات أقل كلفة بعدما تحولت تكاليف الحج والعمرة والسفر إلى عبء يفوق قدرة غالبية المصريين.
