بلاغ يحذّر من الخطر يتحوّل إلى تهمة ..هل أصبح الخوف جريمة؟ النظام يعتقل محامياً لأنه قال “أنا مراقَب”

- ‎فيتقارير

 

لم يعد في مصر ما يمكن وصفه بـ«الخطوط الحمراء»، فحتى الخوف بات جريمة يعاقب عليها النظام. أحدث حلقات القمع جاءت باعتقال المحامي بالنقض والمرشح السابق لمنصب نقيب المحامين أسامة الششتاوي، الذي لم يرتكب أكثر من أنه أعلن على صفحته الشخصية أنه يتعرض للمراقبة، وقدّم بلاغاً رسمياً للنائب العام يحمّل فيه الجهات المعنية مسؤولية أي خطر يهدد حياته.

 

بعد يومين فقط من هذا البلاغ، اختفى الششتاوي في ظروف غامضة، ليظهر بعدها قيد التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا، التي قررت حبسه 15 يوماً على ذمة اتهامات جاهزة: الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.

 

السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان هذا ما يحدث مع محامٍ بالنقض، وحقوقي معروف بخبرته القانونية، فماذا يفعل النظام بالمواطنين العاديين الذين لا يملكون من أدوات الدفاع سوى الخوف ذاته؟

 

بلاغ يحذّر من الخطر… يتحوّل إلى تهمة

 

قبل اعتقاله بأيام، كتب الششتاوي بخط يده بلاغاً رسمياً قال فيه إن "حياته مهددة بالخطر من أشخاص يراقبونه"، مؤكداً أن كاميرات المراقبة سجلت تحركات هؤلاء الأشخاص. لم يتهم أحداً ولم يوجّه اتهاماً سياسياً مباشراً، بل اكتفى بطلب الحماية من الدولة، ليتحوّل هو نفسه إلى متهم أمامها.

 

المفارقة المؤلمة أن المحامي الذي يفترض أنه يعرف القانون ويحتكم إليه، وجد نفسه ضحية لقانون لم يُسنّ لحماية العدالة، بل لتكميم الأفواه.

 

الصحافة والبرلمان… الغياب الذي يصنع الجريمة

 

في بلد تحوّلت فيه الصحافة إلى نشرات تابعة، والبرلمان إلى ختم للموافقة، يصبح السكوت جريمة مشتركة. فلو كانت هناك صحافة حرة أو برلمان حقيقي، لما جرى اعتقال محامٍ لمجرد أنه كتب أنه «مراقَب».

غياب الرقابة البرلمانية والإعلامية جعل الأجهزة الأمنية في حلٍّ من أي مساءلة، وأتاح للنظام أن يستخدم قوانين الإرهاب والأخبار الكاذبة كذراع لقمع كل من يرفع صوته ولو بعبارة.

 

استهداف المحامين… حرب على العدالة

 

لم يكن الششتاوي أول من يواجه هذا المصير. فقد رصدت اللجنة الدولية للحقوقيين (ICJ) في تقريرها الصادر في يناير 2025 استمرار السلطات المصرية في استخدام تهم الإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة لاستهداف المحامين الذين يدافعون عن حقوق الإنسان. من بينهم:

 

إبراهيم متولي، مؤسس رابطة أسر المختفين قسرياً، اعتُقل أثناء محاولته السفر إلى جنيف.

 

هدى عبد المنعم، الرئيسة السابقة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، ما زالت قيد الاحتجاز رغم انتهاء فترة سجنها.

 

أحمد نذير الحلو، محامٍ عن ضحايا الإخفاء القسري، رهن الحبس الاحتياطي رغم تدهور حالته الصحية.

 

كل هذه الحالات تُظهر أن الحرب على المحامين ليست استثناءً، بل سياسة ممنهجة تستهدف كل من يملك معرفة بالقانون أو قدرة على الدفاع عن المظلومين.

 

مصر التي يحكمها الخوف

 

حادثة الششتاوي ليست مجرد اعتقال فرد، بل انعكاس لدولة يعيش مواطنوها تحت مراقبة دائمة، حيث تُعاقَب حتى مشاعر القلق.

في دولة كهذه، يصبح القانون أداة للبطش، وتتحوّل النيابة إلى أداة أمنية، ويُستبدل الأمن بالترهيب، حتى يصل الأمر إلى أن يختفي محامٍ بعد أن يطلب الحماية من الخطر، فيجد نفسه ضحية له.

 

هل بلغت مصر مرحلة الجنون الأمني التي يصبح فيها الخوف نفسه تهمة؟

ربما الإجابة تكمن في صمت البرلمان، وانهيار الصحافة، وتحوّل العدالة إلى أداة بيد النظام، الذي لم يعد يكتفي بإسكات الأصوات، بل يسعى إلى محو أثرها قبل أن تتكلم.