في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يواصل نظام المنقلب عبد الفتاح السيسي اتباع سياسة “النعامة” أمام الاستفزازات الإسرائيلية، متجنباً أي رد فعل قوي، ومكتفياً بما يسميه “الحكمة وضبط النفس”، حفاظاً على علاقة أمنية يعتبرها ركيزة أساسية لاستمرار دعمه من واشنطن وتل أبيب منذ انقلاب 2013.
فقد أكد مصدر مصري مطّلع أن القاهرة “تتعامل بحكمة” مع قرار وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس باعتبار المنطقة الحدودية في رفح الفلسطينية منطقة عسكرية مغلقة، مشيراً إلى أن السلطات المصرية “ترفض الانجرار إلى أي استفزاز إسرائيلي”، في تعبير يُظهر مدى انصياع النظام المصري للتوجيهات الإسرائيلية، رغم ما يحمله القرار من انتهاك واضح للسيادة المصرية ولمعاهدة السلام نفسها.
ويكشف المصدر أن الهدف الحقيقي من الخطوة الإسرائيلية هو التشويش على مسار الهدنة في غزة ومحاولة إفشالها، ومع ذلك فإن القاهرة اختارت الرد عبر “القنوات المحددة” بعيداً عن أي مواجهة سياسية أو إعلامية، في استمرار لنهج التطبيع الأمني الذي جعل مصر شريكاً ميدانياً لتل أبيب أكثر من كونها طرفاً عربياً داعماً للقضية الفلسطينية.
ورغم أجواء التصعيد، أكد المصدر ذاته أن التعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب لم يتوقف يوماً واحداً، بل إن الفرق الأمنية والفنية من الجانبين تواصل التنسيق اليومي “خاصة في الملفات الحساسة داخل غزة”، حتى وصل الأمر إلى مشاركة مصر في جهود “انتشال جثث أسرى إسرائيليين من داخل القطاع”، ما يبرهن أن التنسيق بلغ مستويات غير مسبوقة، بينما تواصل إسرائيل احتلالها وتوسيع وجودها في محور رفح.
هذا الموقف المتخاذل لا يمكن فصله عن الدور الذي أداه السيسي منذ انقلابه العسكري في تثبيت “العلاقة الأمنية المقدسة” مع الاحتلال، والتي كانت أحد أسباب الدعم الغربي والإسرائيلي له في مواجهة أي معارضة داخلية. فالنظام المصري، كما يصفه مراقبون، بات يحرس الحدود نيابة عن إسرائيل، ويبرر كل انتهاك صهيوني تحت شعار “الحفاظ على الأمن القومي” و“احترام معاهدة السلام”.
ويرى السفير السابق محمد حجازي أن التصعيد الإسرائيلي مرتبط بخطة أمريكية جديدة لترتيب الأوضاع بعد الحرب في غزة، تتضمن تثبيت الحدود المصرية مع “دولة فلسطين” وليس مع إسرائيل. لكن القاهرة، بحسب حجازي، تتعامل مع التطورات ببرود واضح، وتتجنب أي مواجهة سياسية مع تل أبيب، رغم أن الأخيرة تحاول فرض واقع جديد في رفح قد يمسّ بالسيادة المصرية ذاتها.
أما العقيد حاتم صابر، خبير “مكافحة الإرهاب”، فاعتبر أن إعلان كاتس تحويل الشريط الحدودي إلى “منطقة عسكرية مغلقة” يمثل تحولاً خطيراً في السياسات الإسرائيلية، لكنه اكتفى بوصف القرار بأنه “ردع داخلي”، دون تحميل النظام المصري أي مسؤولية عن الصمت أو التهاون، وهو الموقف المعتاد من خبراء النظام الذين يبررون كل تراجع رسمي بذريعة “الالتزام بالاتفاقيات”.
الحقيقة أن النظام المصري لم يكتفِ بالصمت، بل أرسل رسائل ضمنية تؤكد استمراره في التنسيق الأمني مع الاحتلال حتى أثناء القصف الإسرائيلي، مما يضعه في خانة المتواطئ لا المتفرج. فبينما تُغلق القاهرة معبر رفح أمام الجرحى والمساعدات الإنسانية، تبقى قنوات الاتصال مفتوحة مع جيش الاحتلال لتبادل المعلومات وتنسيق “التهدئة”.
وفي المحصلة، يبدو أن السيسي اختار أن يكون حارساً لحدود إسرائيل لا لكرامة مصر، متخفياً وراء خطاب “الحكمة وضبط النفس”، فيما يواصل الاحتلال فرض وقائع جديدة على الأرض، مطمئناً أن النظام في القاهرة لن يجرؤ على أكثر من احتجاج دبلوماسي بارد، لأن بقاءه ذاته مرهون برضا تل أبيب وواشنطن.