كشفت الخروقات التى ترتكبها قوات الاحتلال الصهيونى واستمرارها فى حرب الإبادة وقتل الفلسطينيين وتدمير المبانى والمنازل والمستشفيات والمدارس ودور العبادة أن خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوقف اطلاق النار وتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة تواجه الكثير من الصعوبات من جانب دولة الاحتلال .
ورغم أن المقاومة الفلسطينية التزمت بتسليم الأسرى الصهاينة وتواصل البحث عن بقية الجثث إلا ان دولة الاحتلال فى المقابل لم تلتزم بالانسحاب الكامل وتواصل الاستيلاء على بعض المناطق وتعرقل دخول المساعدات وترفض تشغيل معبر رفح .
مساحة للتأويل
حول هذه الأزمة قال خبير العلاقات الدولية الدكتور محمد العزبي، إن النقاط العشرين فى خطة ترامب واضحة جدًا لكن بعض الأطراف ترى وجود مساحة للتأويل، مشيرا إلى أن الغموض النسبي لبعض بنود الاتفاق يمنح ، كل طرفٍ مساحة لإعلان “انتصاره” دون صدام مباشر، لكنه لا ينفي وضوح المسار العام نحو السلام الدائم .
وأكد العزبي فى تصريحات صحفية أن الثقة في التزام دولة الاحتلال بالاتفاق، محدودة نسبيًا، لكنّ الثقة الأكبر تكمن في الضغط الأمريكي على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لافتًا إلى أنّ بعض الانتهاكات المحدودة، مثل التجاوز داخل الخط الأصفر، لا تمثّل خرقًا جوهريًا، بل محاولات من دولة الاحتلال لإثبات الوجود دون نسف الهدنة، على غرار ما حدث في هدنة يناير 2025.
وأشار إلى أن هناك عددا من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل غزة، موضحًا أنّ السيناريو الأول يقوم على إعادة إعمار ناجحة بدعم دولي، وتشكيل حكومة تكنوقراط، وزيادة المساعدات إلى 600 شاحنة يوميًا، بما يفضي إلى استقرار اقتصادي وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة تحت رقابة دولية موضحا أن السيناريو الثاني يتضمن هدنة مع بعض الانتهاكات المحدودة، واستمرار سيطرة دولة الاحتلال على 15% من الحدود، مما يجعل نزع سلاح حماس أكثر صعوبة، ويؤخر إعادة الإعمار لنقص التمويل.
واستبعد العزبي تمامًا احتمال انهيار اتفاق وقف اطلاق النار، مؤكدًا أنّ هذا الانهيار غير وارد إطلاقًا.
الدولة الفلسطينية
وقال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق أنّ المرحلة التالية ستشهد تمكين وحدة الإسناد المجتمعي من تولّي مسؤولياتها في قطاع غزة، في ارتباطٍ سياسيٍّ وقانونيٍّ مع السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب تمكين الشرطة الفلسطينية، التي جرى تدريبها في مصر والأردن، من تولّي مهام الأمن داخل القطاع .
وتوقع حجازى فى تصريحات صحفية أن تعقد الفصائل الفلسطينية مؤتمرا للاتفاق على مستقبل إدارة قطاع غزة والضفة الغربية، وبحث سُبل توحيد الموقف الفلسطيني بما يجعل من الوحدة الوطنية عامل ضغطٍ لإقامة الدولة الفلسطينية الواحدة، القائمة على حكومةٍ واحدةٍ وسلاحٍ واحدٍ .
وأشار إلى أنّ المرحلة اللاحقة ستتجه إلى ملف إعادة إعمار غزة، الذي يُعَدّ من أهم عوامل تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، وتنمية القطاع بما يضمن أمنهم واستقرارهم وسلامتهم، من خلال شراكاتٍ وتعاونٍ دوليٍّ واسعٍ مع الدول المعنية بهذا المسار.
وشدد حجازي على أنّ المشهد الراهن يتطلّب مزيدًا من الوعي والحكمة والمسؤولية في التعامل مع التحديات والأخطار المحدقة بالمنطقة، خاصةً في ظلّ بعض الإشكالات التي بدأت تظهر، سواء في ملف تسليم رفات الرهائن أو في إدخال المساعدات الإنسانية، فضلًا عن تصاعد بعض أعمال القتال، مؤكدًا أنّ هذه التطورات تستدعي دورًا حكيمًا من الوسطاء والأطراف الدولية حتى يكون اتفاق وقف اطلاق النار نقطة انطلاقٍ نحو مرحلةٍ جديدةٍ تؤسّس لشرقٍ أوسطٍ أكثر أمنًا واستقرارًا وسلامًا.
مناورات نتنياهو
فى المقابل أكد الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس إن بنود خطة ترامب للسلام غامضة وعامة، وتتطلب تفاوضًا تفصيليًا لتحديد آليات التنفيذ الخاصة بالانسحاب التدريجي، ونزع السلاح، وإعادة الإعمار، والمسار السياسي، مؤكدًا أن المراحل المقبلة من الخطة تواجه تحديًات إذ “تكمن الشياطين في التفاصيل”، ما يتطلب جهدًا دبلوماسيًا كبيرًا في الأيام القادمة لضمان استمرار الهدنة ومنع عودة القتال.
وتوقع الحرازين فى تصريحات صحفية أن يظل التزام الاحتلال ببنود الاتفاق مرهونًا باستمرار الضغط الأمريكي لافتًا إلى أن “الأنا المتضخمة” لدى ترامب تدفعه إلى الحديث عن نفسه بوصفه الرجل الأوحد القادر على إنهاء الحروب وتحقيق الإنجازات، وهو يُقدّم لكل طرف ما يرغب في سماعه حفاظًا على صورته كقائد مهيمن على المشهد الدولي.
وقال : لا استبعد أن يسعى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عرقلة التنفيذ عبر مناورات سياسية، داعيًا في المقابل حركة حماس إلى الالتزام الكامل بما تم الاتفاق عليه لتفويت الفرصة على الاحتلال .
واعتبر الحرازين ملاحقة الاحتلال أمام المحاكم الدولية أمراٌ محسوما قانونيًا، قائلًا: إن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال سواء كانت جرائم حرب أو إبادة أو جرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تنظران بالفعل في قضايا ضد قادة الاحتلال، ما يعني أن المساءلة القانونية لا يمكن تجاوزها، وأن تبرئة دولة الاحتلال من جرائمها أمر مستحيل قانونيًا وأخلاقيًا .
سلاح المقاومة
وأكدت أستاذة الإعلام السياسي الدكتورة دينا محسن، أن المرحلتين الثانية والثالثة من اتفاق وقف اطلاق النار هما الأعقد والأخطر والأكثر جدلًا، مشيرة إلى أن أبرز القضايا العالقة تتمثّل في ملف نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، ولا سيّما سلاح حركة حماس .
وقالت دينا محسن فى تصريحات صحفية إن الخلط بين فصائل المقاومة الفلسطينية واختزالها في فصيل واحد، خطأ كبير، مؤكدة على ضرورة التوافق بين الفصائل المسلحة على رؤية موحدة بشأن سلاح المقاومة خاصة أن الرئيس الأمريكيّ ترامب يركّز على مسألة نزع السلاح في تصريحاته .
وأوضحت أن ترامب يحاول تجميل صورته أمام الرأي العام العالمي، والتظاهر بدور “رجل السلام”، وكذلك يسعى نتنياهو لإخفاء صفحة الماضي المليئة بالجرائم ضد الإنسانيّة، مؤكّدة أنّ فكرة السلام ليست نابعة من دوافع إنسانيّة، بل فُرضت عليهما قسرًا بعد أن فقد الاحتلال السيطرة على مجريات الحرب ويسعى نتنياهو للنجاة بفعلته عبر تزييف الوعي العالمي الذي يعيش حالة انتفاضة أخلاقيّة ضد الانتهاكات .
وتساءلت دينا محسن: إذا كان نتنياهو يريد السلام في غزّة، فلماذا لا يسعى إليه في لبنان أو مع إيران أو سوريا؟، موضّحة أنّ ما يُطرح اليوم ليس سلامًا شاملًا بقدر ما هو تسوية جزئية تُخفي وراءها استمرار العمليات العسكريّة ضد المدنيين في أكثر من جبهة، لكن، ينبغي استثمار هذه اللحظة التاريخية لوقف ما وصفته بـ“المهازل الإنسانية”.