رفع السيسي أسعار البنزين وفي اليوم نفسه مررت من خلال برلمانه العسكري قانون الإجراءات الجنائية ما عكس قلقًا شعبيًا وحقوقيًا من أن السياسات الاقتصادية تُستخدم كغطاء لتمرير تشريعات تمس الحقوق والحريات فالاعتراضات لم تكن فقط سياسية، بل قانونية ودستورية، ما يجعل القضية محل جدل واسع داخل الأوساط القانونية والحقوقية.
وتضمن قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي أقره برلمان السيسي، مواد مثيرة للجدل مثل؛ المادة 105 التي تسمح باستجواب المتهم دون حضور محام في حالات استثنائية، ومادة تعديل الأحكام الغيابية بما يسمح بمنع المحكوم عليه من التصرف في أمواله قبل إعلان الحكم.
وهذا التزامن دفع بعض الحقوقيين والمعارضين إلى وصفه بأنه "تمرير في غفلة"، معتبرين أن الحكومة استغلت انشغال الرأي العام بأزمة الوقود لتمرير قانون يمس الحقوق الدستورية.
وصوت برلمان العسكر على القانون بشكل نهائي \بعد التصويت على المواد التي تحفظ عليها السيسي وبينهما مادة استجواب المتهم دون حضور محام، وسط اعتراض نقيب المحامين وانسحاب الهيئة البرلمانية لأحد الأحزاب من القاعة اعتراضا على النص باعتباره مخالفا للدستور الذي يكفل حق المتهم في الاستعانة بمحام أثناء التحقيق.معترضين على المادة 105 ما اعتبروه انتهاكًا للدستور.
والمادة 105 من القانون الجديد، تنص بعد التعديل على أنه: "لا يجوز لعضو النيابة العامة أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن للمتهم محام، أو لم يحضر محاميه بعد دعوته، وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محاميًا."
وبقي الاستثناء المثير للجدل هو: "ويجوز لعضو النيابة العامة في الأحوال التي يُخشى فيها فوات الوقت، متى كان لازمًا في كشف الحقيقة، الانتقال للاستجواب دون حضور المحامي."
وقال نقيب المحامين عبد الحليم علام إن المادة "تفتح بابًا لانتهاك حقوق الدفاع"، مؤكدًا أن الدستور المصري في مادته 54 يكفل حق المتهم في الاستعانة بمحام أثناء التحقيق.
واعتبرت الهيئة البرلمانية لما يسمى "حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي" تمرير المادة، بـ"الانتقاص من الحقوق الدستورية".
وقال النائب ضياء الدين داوود إن الاستثناء "يخالف توجه رئيس الجمهورية نفسه"، الذي سبق أن اعترض على المادة ضمن 8 مواد أخرى. وكان السيسي أبدى تحفظًا على 8 مواد من أصل 552 في مشروع القانون، بينها المادة 105، مطالبًا بمراجعتها لضمان عدم المساس بحقوق المتهمين.
رغم ذلك، وافق البرلمان على المادة بعد تعديلها، معتبرًا أن الاستثناء "ضروري في الحالات العاجلة".
خبراء قانونيون مثل د. محمد أبو شقة أكدوا أن المادة تحتاج إلى "معالجة تشريعية دقيقة" لتجنب التعارض مع الدستور.
المحامي كومبارس
وانتقد المحامي طارق جميل سعيد قانون الإجراءات الجنائية الجديد بشدة، مؤكدًا أن بعض مواده تحوّل المحامي إلى "كومبارس"، وتحتوي على تناقضات تمس جوهر العدالة الجنائية، خاصة المادة المتعلقة باستجواب المتهم دون حضور محام.
وفي مداخلته التلفزيونية على قناة النهار، قال: "القانون الجديد يحمل الشيء وضده، فيه السماح والعقاب في نفس الوقت، وهذا تناقض لا يجوز في قانون جنائي."
وأضاف، "بعض المواد المقترحة تجعل المحامي مجرد ديكور، وكأن دوره شكلي وليس جوهريا، وهذا يمس منظومة العدالة."
وتابع: "منظومة العدالة لها ثلاثة أضلاع: القضاء، والنيابة، والمحاماة. وإذا لم يُنظر للمحاماة بنفس الاحترام، فهناك خلل في التوازن."
واعتبر أن المادة التي تسمح باستجواب المتهم دون حضور محام "تفتح بابًا لانتهاك حقوق الدفاع". مشيرا إلى أن القانون لم يوضح بشكل كافٍ الضمانات الإجرائية في حالات الاستثناء. وأن هناك مواد "تُفرغ دور المحامي من مضمونه"، وتجعله غير قادر على حماية موكله بشكل فعّال.
يهدد أمان المصريين في بيوتهم
واعتبر المحامي الحقوقي ناصر أمين أن قانون الإجراءات الجنائية الجديد يهدد أمن المصريين في بيوتهم، ويقنن انتهاكات قانون مكافحة الإرهاب، كما انتقد تعديل الأحكام الغيابية الذي يسمح بمنع المحكوم عليه غيابيًا من التصرف في أمواله، واعتبره مخالفًا للدستور والمواثيق الدولية.
وفي تصريحات صحفية وصف مشروع القانون بأنه "ابن تصريحات الحكومة في 2014"، ويهدف إلى فرض تشريع جديد يواكب ما يسمى "الجمهورية الجديدة"، لكنه في الحقيقة يحول الاستثنائي إلى دائم.
واعتبر أن القانون يقنن انتهاكات قانون مكافحة الإرهاب، ويمنح سلطات التحقيق صلاحيات واسعة دون رقابة قضائية كافية.
وقال إن ما فعلته اللجنة البرلمانية يهدد الأمن القومي المصري ويفتح الباب لتدخل المحكمة الجنائية الدولية.
وانتقد المادة التي تسمح بمنع المحكوم عليه غيابيًا من التصرف في أمواله، معتبرًا أنها: تخالف مبدأ قرينة البراءة، لأن الحكم الغيابي لا يُعد نهائيًا إلا بعد إعلان المتهم وعدم طعنه. وتمس الحقوق المدنية والمالية للمواطنين دون حكم قضائي بات. وتفتح الباب لتجميد أموال المتهمين سياسيًا أو إداريًا دون ضمانات كافية.
لماذا أعاده السيسي ومرت بلا تعديلات
وعبر المستشار د. مراد علي @mouradaly عن توقعه المسبق لما حدث وقال: "لم أكن يومًا من المتفائلين باقتراح الرئاسة المصرية تعديل قانون الإجراءات الجنائية!.. وبالفعل، جاءت التعديلات التي أقرها مجلس النواب اليوم لتضيف قيودًا جديدة على الحريات ، بل وتسمح بإجراء التحقيق مع المتهم في غياب محاميه".
واستدرك "غير أن السؤال الأهم هو: هل ستؤدي هذه التعديلات فعلًا إلى تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟.. الجواب الواقعي: لا، فالتدهور بلغ مداه أصلًا.".
وأشار إلى أن "فالمؤسسات الأمنية تمتلك سلطة مطلقة لا يقيّدها قانون، والنيابة العامة والقضاء تحوّلا إلى أدوات في يد السلطة التنفيذية." معتبرا أن "..أي حديث عن مزيدٍ من التراجع يبدو عبثيًا، لأن القاع قد تم بلوغه بالفعل، والمواطن المصري لا يتمتع لا بحقٍّ ولا بحمايةٍ حقيقية.".
وأوضح أن "..القضية ليست في مدى سوء القانون الجديد، بل في غياب الدولة القانونية ذاتها، حيث لم يعد المواطن طرفًا في معادلة العدالة، بل مجرّد موضوعٍ لها..".
https://x.com/mouradaly/status/1978848274057437315
انتقاص لمبدأ العدالة
ووصفت الصحفية سيلين ساري الإقرار الجديد أنه "..حين يُستجوب المتهم دون حضور محامٍ ليس مجرد تفصيل إجرائي؛ بل هو انهيار لمبدأ العدالة من جذوره. ." موضحة أن "المحامي ليس زائرًا في التحقيق، بل ضمانة الدفاع الوحيدة أمام سلطة تمتلك أدوات التقييد والاتهام و البطش.".
واعتبرت أن "تمرير نصٍّ يسمح للنيابة باستجواب المواطن دون محامٍ، هو تجريد للإنسان من حقه بالامان و الحماية وإطلاق يد السلطة بلا رقيب اكثرمما عليه الوضع الان".
ورأت أنه ".. إلغاء ضمني للمادة 54 من الدستور، واعتداء مباشر على أحد أقدم الحقوق التي عرفتها الإنسانية: الحق في الدفاع.".
وأكدت أن "ما جرى اليوم (الجمعة 17 أكتوبر) في البرلمان لا يمكن اعتباره تطويرًا للإجراءات الجنائية، بل تراجع إلى ما قبل "الدولة الدستورية" حيث يُعامل المواطن كمتهم بلا حماية وتُختزل العدالة في إرادة السلطة وحدها. وأنه "حين يُستجوب المواطن بلا محامٍ… تسقط العدالة قبل أن تبدأ".
البقاء لله في الدولة الدستورية
وعن سياق متصل من القوانين سيئة السمعة أوضج المحامي عمرو عبد الهادي @amrelhady4000 أن "#قانون المرافعات – لا مؤاخذة – في عهد #السيسى يسمح للنيابة العامة بالتحقيق مع المتهم في غياب محامٍ.. وقد أُلغيت فقرة وجوب حضور المحامي أثناء التحقيق، رغم أنها موجودة في أغلب قوانين العالم، ما يُعدّ انتهاكًا واضحًا للدساتير والأعراف والقوانين الدولية، وللنظم القانونية المقارنة.".
وأضاف "البقاء لله في الدولة الدستورية في مصر.. حتى القوانين الشكلية التي كانت تُجمّل صورة النظام، أصبح النظام الحالي يرفضها.. ".
واعتبر أن "السيسي رجع القانون عشان يبوظ اكتر".
https://twitter.com/amrelhady4000/status/1979151045897949392