تتزايد شكاوى المواطنين من موجات الغلاء التي ترافق السياسات الاقتصادية لحكومة الانقلاب التي باعت نفسها لصندوق النقد والبنك الدولي، من أجل الحصول على القروض، بدءًا من رفع أسعار الوقود والطاقة، مرورًا بزيادة الرسوم والضرائب، ووصولًا إلى تقليص الدعم على السلع والخدمات الأساسية.
هذه الإجراءات العشوائية والمشوهة، غيّرت بشكل جذري من خريطة الأسعار في السوق المصري وأثرت على تفاصيل الحياة اليومية للأسر.
وفي الوقت الذي تزعم فيه حكومة الانقلاب أن هذه السياسات ضرورة حتمية لإصلاح الاقتصاد وضمان استدامته وجذب الاستثمارات، يجد المواطن نفسه في مواجهة مباشرة مع أعباء مالية متزايدة لا تتوقف، تستنزف دخله المحدود وتفرض عليه إعادة ترتيب أولوياته.
ومع تراكم الضغوط، باتت احتياجات أساسية كالتعليم والرعاية الصحية والغذاء مهددة، ليظل المواطن هو الحلقة الأضعف الذي يدفع فاتورة الإصلاح، بينما تتواصل محاولاته للتأقلم مع واقع اقتصادي أكثر صعوبة.
ويُتوقع أن يزداد الأمر سوءا خلال الأيام القادمة، بسبب تجاه حكومة الانقلاب إلى إلغاء الدعم تماما عن المحروقات، ما يستتبعه ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات، وهو ما لن يستطيع المواطن الكادح مواكبته.
الكهرباء والغاز
حول هذه المأساة قال أحمد حسين موظف في إحدى الشركات الخاصة: "راتبي لم يعد يكفي أكثر من أسبوعين، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والنقل تنعكس مباشرة على أسعار الغذاء، حتى الخبز والخضراوات لم تعد في متناول الجميع".
وأضاف حسين : نسمع تصريحات رسمية من مسئولي حكومة الانقلاب عن تحسن المؤشرات الاقتصادية، لكننا لا نشعر سوى بزيادة الأعباء، وكأن حكومة الانقلاب تُنقذ الاقتصاد من جيوبنا .
وأكد محمود علي، عامل يومية في قطاع البناء، أن الأزمة أرهقت العاملين في هذا القطاع بشكل مضاعف.
وقال علي : "إحنا شغلنا يوم بيوم، ولو قعدنا يوم في البيت ما فيش دخل، والمصيبة حتى اللي بنكسبه ما بيجيبش الأكل، كيلو الطماطم بقى بأكتر من أجر ساعة شغل، الناس البسيطة زيّنا اتسحقت ".
معركة يومية
وقالت منى عبد العزيز، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال: إن "إدارة ميزانية البيت أصبحت معركة يومية؛ لأن الدخل لا يكفي شراء ما نحتاجه".
وأضافت منى عبد العزيز : كنا زمان نعمل أكل كويس ونحوّش جزء للمدرسة والعلاج، دلوقتي كل المرتب بيروح على أكل وغاز وكهرباء، حتى اللحمة بقينا نشتريها مرة في الشهر بالعافية".
وأشارت إلى أن أبسط احتياجات الأطفال، من ملابس أو أدوات مدرسية، أصبحت رفاهية مؤجلة.
التجار
وأكد محمد رجب، صاحب محل بقالة صغير، أن الأوضاع لم تضر المستهلك فقط بل التجار أيضًا .
وقال رجب : "الزبون مش قادر يشتري، ولما الأسعار بتغلى مش بأعرف أبيع، الناس بقت تشتري بالقطعة بدل الكيلو، كمان فواتير الكهرباء والضرائب الجديدة بتأكل أي مكسب بسيط" .
فاتورة الدعم
وأكد الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع أن هناك مخاوف جدية بشأن التأثيرات المرتقبة لسياسة حكومة الانقلاب في رفع الدعم عن أسعار المحروقات والوقود، مؤكدا أن الزيادات القادمة في أسعار الطاقة ستكون لها تأثيرات كبيرة على حركة أسعار السلع والخدمات الأساسية، وهذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية شاملة لخفض فاتورة الدعم البترولي.
وتوقع «الإدريسي» في تصريحات صحفية أن تصل الزيادة في أسعار الوقود إلى 10% من الأسعار السارية، وربما تكون أكبر من ذلك، مشيرا إلى أن هدف حكومة الانقلاب هو خفض الدعم في الموازنة التقديرية الجديدة للعام المالي 2025-2026، بما يقرب من 75 مليار جنيه، حيث كانت الموازنة قد خصصت 154 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، ومن المستهدف تخفيض هذا المبلغ بنسبة 50% مما يتطلب رفعاً كبيراً ومستمراً في الأسعار.
ولفت إلى أن العجز الكلي في الموازنة العامة لدولة العسكر كان 1.2 تريليون جنيه في العام السابق، متوقعا أن يصل إلى 1.5 تريليون جنيه في الموازنة الجديدة، بزيادة قدرها 300 مليار جنيه.
وكشف «الإدريسي» أن حكومة الانقلاب تسعى لتخفيض التضخم في ظل اتخاذها قرارات رفع الدعم التي ينتج عنها بشكل مباشر زيادة الأسعار، مؤكدا أن هناك «حالة تضارب» في السياسات الحكومية، التي تحاول تحقيق التوازن الصعب بين نمو الاقتصاد، وخفض التضخم، ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين.
وأوضح أن هيكل مصروفات الموازنة العامة لدولة العسكر يرتبط بثلاثة بنود رئيسية هي: خدمة الدين، والأجور والدعم، ومن بين هذه البنود، يُعد الدعم هو البند الوحيد الذي تستطيع دولة العسكر التحكم فيه وخفض قيمته بسهولة نسبية.
دخول المواطنين
وتوقع «الإدريسي» زيادة أسعار الكهرباء بنسبة تتراوح بين 10% و15%، نظراً لاعتماد قطاع الكهرباء بشكل كلي على الوقود كمصدر للطاقة، محذرا من أن هذه الزيادات المتتالية تلتهم جزءاً كبيراً من دخول المواطنين .
وأعرب عن أسفه؛ لأن المواطن هو من يدفع ثمن فواتير قرارات حكومة الانقلاب، وبالتالي لابد أن يكون لدى حكومة الانقلاب آليات بديلة وفعالة لمواجهة وسد العجز في الموازنة العامة بعيداً عن جيب المواطن.
وطالب «الإدريسي» حكومة الانقلاب بضرورة أن تستعيد الرقابة على الأسواق بعد إقرار أي زيادة في الأسعار، لضمان عدم استغلال التجار للوضع وزيادة الأسعار بأكثر من النسبة الفعلية لرفع الدعم، وهو ما يُفاقم من الأعباء المعيشية على المواطنين.
وتوقع استمرار ارتفاع أسعار الوقود، خاصة البنزين، خلال عام 2026، مع الإشارة إلى أن الغاز والسولار قد يشهدان ارتفاعات أقل مراعاةً لقطاعي المصانع والنقل.