رسم مارك تاونسند الصحفي بجريدة الجارديان البريطانية صورة مأساوية لمعاناة أكثر من 260 ألف إنسان ظلوا محاصرين في الفاشر لأكثر من 500 يوما، تحت القصف المستمر والمجاعة والانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع المدعومة إماراتيًا.
وجمع النص بين شهادات حية من داخل المدينة لصمود السودانيين وبين وثائق تكشف دور الإمارات في إطالة حصار الفاشر عاصمة إقليم دارفور ومنع وصول المساعدات.
وكشف التقرير أن الحياة في الفاشر أشبه بالعصور الوسطى. مئات القذائف تسقط يوميًا على المنازل، والطائرات المسيّرة الانتحارية تلاحق الأحياء، والجوع يدفع الأطفال إلى أكل الجراد وأوراق الأشجار وحتى علف الحيوانات. النساء يتعرضن للاختطاف، والمطابخ الجماعية توقفت عن العمل بعد نفاد المؤن.
وسط هذا الجحيم، حمل المدنيون السلاح. الجدة مريم عبد الغفار، 75 عامًا، بدأت بصنع الطعام للمقاتلين ثم وجدت نفسها على الجبهة. وسارة بخيت، التي نجت من أكثر من 150 معركة، تقول: «سننتصر، لكن قناصوهم يستهدفونني باستمرار». ورغم ذلك، صمدت الفاشر أمام أكثر من 228 محاولة اجتياح.
وعن دور الإمارات في استمرار الحصار لفت التقرير إلى ما كشفته الوثائق من أن الإمارات كانت شريان الحياة للحصار فدون دعمها العسكري واللوجستي لما استطاعت المليشيا مواصلة تطويق الفاشر. بل إن أبوظبي تدخلت مرارًا لتعطيل أي اتفاق يسمح بدخول المساعدات.
وناشد مسؤولون أميركيون كبار؛ الإمارات لوقف القتال، لكن دون جدوى.
واتهم أحد محققي الأمم المتحدة؛ بريطانيا بتوفير غطاء سياسي للإمارات في مجلس الأمن. أما الباحثة شاينا لويس فأدانت تواطؤ الدول التي "ما تزال تعطي الأولوية للاستثمارات الإماراتية على حساب عائلات الفاشر التي تموت جوعًا".
وأشار التقرير إلى أنه بدلًا من دعم دخول المساعدات، دفعت الإمارات نحو ربط مصير الفاشر بمدن أخرى في كردفان، وهو ما وصفه مسؤولون أمميون بأنه آخر ورقة في اللعبة، لينتهي الأمر بمزيد من التعقيد وضياع فرص الإنقاذ.
واختتم التقبرير بنقل صورة قاتمة لمدينة محاصرة بالجوع والمدافع، وأطفال يموتون من سوء التغذية بصمت، مؤكدًا أن استمرار الحصار بهذا الشكل ما كان ليحدث لولا دعم الإمارات للمليشيا.
https://theguardian.com/global-development/2025/sep/24/siege-sudan-city-el-fasher-rsf
واشارت الصحيفة إلى أنه لم تسقط الفاشر حيث مدافعوها – مزيج من متطوعين ومتمردين ونقلت عن حقوقين أنه حصار من القرون الوسطى؛ شيء تتوقعه في العصور الوسطى".
وتشير الأدلة إلى أن حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة وبريطانيا تدخل فعليًا لعرقلة دخول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى الفاشر، بعد أن تدخلت الإمارات في مرحلة حرجة؛ ويُعتقد أن مئات الأطفال قد ماتوا جوعًا في المدينة منذ ذلك الحين.
وقد ناشد مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية بشكل مباشر الدولة النفطية أن تدعم وقف القتال والسماح بدخول المساعدات إلى الفاشر.
الإمارات هي شريان الحياة للحصار. من دون دعمها، كانت المليشيا ستوقفه.
تطهير عرقي
وقالت "الجارديان " التي نقلت عن التقييمات الاستخباراتية أن المليشيا مصممة على تنفيذ تطهير عرقي إذا سقطت الفاشر. وتشير النماذج التقديرية إلى أن الآلاف سيُذبحون.
وكانت المليشيا تريد اجتياح المدينة خلال موسم الأمطار الذي بدأ في أوائل يونيو، حيث تغطي السحب السماء، وهو ما عرف المهاجمون أنه سيجعل من الصعب على الأقمار الصناعية توثيق جرائم الحرب.
الغطاء الغربي
ورفضت المملكة المتحدة التنازل عن السيطرة. حيث كانت بريطانيا توفر غطاءً سياسيًا للإمارات، يتهم أحد محققي الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن إسكات مجلس الأمن بشأن الفاشر منع التدقيق في دور الإمارات. وزيرة التنمية جيني تشابمان قالت إن بريطانيا استخدمت موقعها في الأمم المتحدة وأماكن أخرى لـممارسة الضغط الدبلوماسي.
وأدانت لويس تواطؤ الدول التي ما تزال تعطي الأولوية للاستثمارات الإماراتية على حساب عائلات الفاشر التي تموت جوعًا.
وأشار التقرير إلى رفض مليشيا الدعم السريع وقف إطلاق النار الإنساني الذي اقترحته الأمم المتحدة. ولتأكيد موقفها، أمطرت الفاشر بوابل من الصواريخ. مقاتلو المليشيا اندفعوا نحو وسط المدينة، ووصلوا حتى مسجد التيجانية.
ولفتت الصحيفة إلى اجتماع سري في مكان غير معلن بين مسؤولين أمريكيين وأمميين ورئيس وفد التفاوض للمليشيا، العميد عمر حمدان للسماح بالمساعدات بدخول الفاشر التي أعلن أحد مسؤولي الأمم المتحدة أنهم كانوا ينتظرونها "كنا ننتظر الضوء الأخضر".
وبنت مليشيا الدعم السريع جدارًا حول الفاشر. وأصبح الوصول إلى المدينة يقتصر أكثر فأكثر على فجوة بعرض 50 ياردة بين السواتر، حيث كان حراس المليشيا يعدمون المارين، وكل من يغادر يتعرض للاختطاف أو السلب أو ما هو أسوأ. "لا خيار لنا سوى البقاء" بحسب أحد المشاركين.
مرتزقة بالفاشر
ونقل شهود عيان للصحيفة أن محاولات اجتياح الفاشر ذات طابع دولي بحسب المحامين. حيث مقاتلون أجانب تجمعوا على أطرافها. تقول بخيت إنها شاهدت ليبيين وإثيوبيين وكولومبيين يقاتلون إلى جانب المليشيا. وأفاد أصدقاؤها أنهم سمعوا صرخات باللغة الإسبانية.
وأمام الأدلة المتزايدة على أن مليشيا الدعم السريع تستعد لاجتياح الفاشر، اتفق كبار مسؤولي الأمم المتحدة على ضرورة الضغط على من تطيعهم المليشيا: الإمارات.
ضغوط على الإمارات
ونقلت الصحيفة عن "وثائق" أن هناك "تصعيدًا" في الضغوط الدبلوماسية الموجهة نحو الإمارات. وأشارت الإمارات بشكل غير رسمي إلى أنه قد يكون هناك تجاوب أكبر إذا نوقشت الفاشر وكردفان كحزمة واحدة – أي أن المليشيا قد تُرى بأنها ‘خسرت اللعبة السياسية’ إذا سمحت بالوقف الإنساني في الفاشر وحدها. لذلك كشفت الوثائق أن الإمارات بدت وكأنها تدخلت بشكل مباشر لإفشال أي احتمالات لوقف إنساني للمدينة المحاصرة. الإمارات.
واعتبرت الصحيفة أن استمالة الإمارات تُعتبر من قِبل كثيرين آخر ورقة في اللعبة، لكن العقبة كانت أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات التي تمسح أجواء الفاشر.، وحذّرت المليشيا من أن طائرات الأمم المتحدة ستكون أهدافًا مشروعة. يقول مصدر أممي: "لقد رفضوا منحنا ممرًا آمنًا".