تشهد الأسواق المصرية مشهداً عبثياً يوصف رسمياً بـ"الاستقرار النسبي للجنيه"، بينما الحقيقة على الأرض لا تعكس سوى حالة من الانكماش والشلل الاقتصادي. ففي الوقت الذي تُعلن فيه البنوك أسعار صرف ثابتة تقريباً، يتسع نزيف فقدان الثقة في العملة المحلية، ليتجه المصريون كالمعتاد إلى الملاذ الآمن: الذهب.
استقرار وهمي للجنيه
سعر الدولار الرسمي في البنك المركزي توقف عند حدود 48 جنيهاً تقريباً للشراء و48.22 للبيع، بينما تراوحت أسعار البنوك التجارية في نفس الهامش الضيق. ورغم ذلك، يرى المراقبون أن هذا الاستقرار "مفروض إدارياً" أكثر منه ناتج عن قوة حقيقية في السوق. فغياب الشفافية وتدخلات الأجهزة السيادية في إدارة سوق الصرف يجعلان من أي أرقام رسمية مجرد "ديكور" يخفي واقعاً مضطرباً.
الاقتصاد في مصر لا يستند إلى إنتاج أو صادرات أو تدفقات استثمارية حقيقية، بل إلى قروض متواصلة وبيع أصول الدولة في مزاد مفتوح للخليج والاحتلال الصهيوني. ومن ثم، فإن الحديث عن استقرار الجنيه ليس إلا جزءاً من خطاب دعائي يسعى المنقلب السيسي لتسويقه داخلياً وخارجياً.
الذهب يرتفع كمرآة لفقدان الثقة
في المقابل، يواصل الذهب صعوده محلياً وعالمياً، ليصبح المؤشر الحقيقي لمدى هشاشة الوضع الاقتصادي. فقد سجل غرام عيار 24 نحو 5777 جنيهاً، بينما بلغ غرام 21 الأكثر تداولاً 5055 جنيهاً، وقفز الجنيه الذهب إلى 40,440 جنيهاً في رقم قياسي جديد.
ويعكس هذا الارتفاع المباشر فقدان الثقة في الجنيه، إذ يلجأ المواطنون إلى الذهب لحماية مدخراتهم القليلة، في ظل تضخم يلتهم القدرة الشرائية وتراجع مريع للبدائل الاستثمارية. فالأسواق المحلية خالية من أي مشاريع إنتاجية جادة، فيما جرى تدمير الصناعة والزراعة لصالح الاستيراد والخرسانة والعاصمة الإدارية.
شبه دولة بلا قواعد اقتصادية
الحقيقة الصادمة أن ما يجري في مصر لا يمكن وصفه بسياسة اقتصادية بقدر ما هو إدارة عشوائية تستند إلى أوهام السيسي ورغباته. لا توجد قواعد للسوق ولا أولويات وطنية، بل هناك "مشاريع استعراضية" تبتلع المليارات مقابل تفقير المواطنين.
إن استقرار الجنيه الحالي ما هو إلا هدوء زائف يسبق عاصفة جديدة من الانهيار، بينما الذهب يواصل كشف حقيقة الانهيار الممنهج الذي يعيشه الاقتصاد المصري في زمن حكم العسكر.