ارتباك حكومة الانقلاب أمام بعثة صندوق النقد: هل المطلوب بيع ما تبقى من مصر؟

- ‎فيتقارير

 

مع اقتراب وصول بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل – وربما قبل ذلك – يزداد ارتباك حكومة الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي، على الرغم من أنها نفذت معظم شروط الاتفاق الأخير، لكن يبدو أن الصندوق لا يكتفي بما تم من إجراءات تقشفية وبيع لبعض الشركات، بل يصر على المضي أبعد، نحو تصفية ما تبقى من أصول مصرية استراتيجية، ليتلقفها الخليجيون والصهاينة في "سوق نخاسة" تديره سلطة الانقلاب.

 

سردية الطروحات: بيع الوقت لا حل الأزمة

 

الحكومة تروّج لما تسميه "سردية الطروحات" كحل لأزمة الديون المتفاقمة، عبر بيع حصص من الشركات العامة وبعض المؤسسات التابعة للجيش في البورصة، أو من خلال صفقات مباشرة مع مستثمرين خليجيين كما حدث في "رأس الحكمة" غير أن هذه الطروحات لا تعني سوى التخلي عن أصول وطنية مقابل سيولة مؤقتة، بينما تستمر الديون في التصاعد بلا توقف.

 

الأرقام الرسمية تكشف أن الدين الخارجي قفز من 55 مليار دولار عام 2016 إلى 165 ملياراً عام 2024، مع توقع وصوله إلى 210 مليارات عام 2030، فهل يعقل أن بيع بضعة شركات يمكن أن يعالج نزيفاً بهذا الحجم؟

 

صندوق النقد: لا ثقة في سلطة العسكر

 

تقارير الصندوق الأخيرة تشير بوضوح إلى أن المؤسسات الحكومية والأمنية استحوذت على 74% من الاستثمارات الممولة بالقروض في 2024، مقابل 26% فقط للقطاع الخاص الحقيقي، هذا وحده كفيل بكشف زيف ادعاءات السيسي عن "تمكين القطاع الخاص"، الصندوق نفسه يشكك في مصداقية الحكومة بعد تأجيل مراجعاته أكثر من مرة ودمج بعضها، وهو ما يعكس أزمة ثقة حقيقية.

 

البورصة تكسب مؤقتاً… والمواطن يخسر دائماً

 

صحيح أن مؤشرات البورصة صعدت إلى 34,700 نقطة بعد الاتفاق الأخير مع الصندوق، لكن ذلك كان مدفوعاً بارتفاع الدولار أمام الجنيه، وليس نتيجة قوة اقتصادية حقيقية. فالمستثمرون الأجانب يدخلون لتحقيق أرباح سريعة، بينما المواطن البسيط يغرق يومياً في موجات الغلاء التي أحرقت رواتب الطبقة الوسطى وأفقرت الملايين.

 

وصفة موحدة… ومأساة متكررة

 

"الوصفة الجاهزة" لصندوق النقد واضحة: تحرير سعر الصرف، إلغاء الدعم، بيع القطاع العام، وهذه الوصفة التي جُربت مراراً لا تعني سوى مزيد من التضخم وانهيار قيمة الجنيه وتصفية الممتلكات العامة. المواطن العادي يدفع الفاتورة عبر غلاء الكهرباء والوقود والدواء، بينما السلطة تهدر المليارات على القصور والعاصمة الإدارية.

 

هوية الاقتصاد على المحك

 

القضية لم تعد مالية فقط، بل وجودية: هل يبقى للاقتصاد المصري هوية وطنية أم يتحول إلى مجرد سوق تابع؟ بيع الموانئ والكهرباء والطاقة والبتروكيماويات للأجانب يعني ببساطة أن قرار مصر الاقتصادي لم يعد بيدها.

 

البديل الوطني

 

الأحزاب المعارضة وخبراء الاقتصاد الوطنيون يؤكدون أن الخروج من الأزمة لا يكون عبر "سوق النخاسة" التي يديرها السيسي، بل عبر خطة وطنية بديلة:

 

تعظيم الإنتاج الزراعي والصناعي بدلاً من استيراد كل شيء.

 

محاربة الفساد الذي يلتهم المليارات.

 

تنويع مصادر التمويل عبر شراكات إنتاجية حقيقية، لا عبر بيع الأصول.

 

لحظة اختبار

زيارة صندوق النقد ليست مجرد مراجعة مالية، بل لحظة اختبار تكشف حجم الارتهان الذي وصلت إليه مصر في عهد السيسي. فالحكومة المرتبكة بين ضغط الصندوق ورفض الشارع، لا تملك سوى مواصلة بيع البلد قطعة قطعة، في حين أن المطلوب ليس بيع ما تبقى من مصر، بل استعادة قرارها الاقتصادي والسياسي من قبضة العسكر ومن وصاية الدائنين.