في مشهد يعكس تخبط سلطة الانقلاب في إدارة ملف التعليم، فجّر قرار وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، بإدخال نظام البكالوريا المصرية بجوار الثانوية العامة، موجة غضب وانتقادات حادة، فالقرار الوزاري رقم 213 لسنة 2025، الذي يبدأ تطبيقه العام المقبل، لم يقتصر على إرباك أولياء الأمور والطلاب، بل كشف عن أهداف مالية بحتة وراء ما تسميه السلطة "إصلاحاً تعليمياً".
البكالوريا.. جباية مقنَّعة
بينما تروّج الوزارة لنظام البكالوريا باعتباره "قفزة في تطوير التعليم"، يصفه خبراء بأنه فخ مالي جديد، يثقل كاهل الأسر المصرية. إذ يسمح النظام للطالب بإعادة الامتحان 44 مرة مقابل 200 جنيه لكل محاولة، أي نحو 8800 جنيه، وهو ما يحول الثانوية من مرحلة علمية إلى مزاد مالي، وبحسب تقديرات، فإن أكثر من 750 ألف طالب يخوضون امتحانات الثانوية سنوياً، وهو ما يفتح للوزارة خزائن جباية بمليارات الجنيهات.
ويطرح معارضون تساؤلاً صريحاً: "كيف يُكافأ طالب أعاد محاولاته مراراً حتى حصل على 91%، على حساب آخر اجتهد من المرة الأولى ونال 90%، لمجرد أن الأول دفع؟".
نظام مشوَّه ومناهج متناقضة
النظام الجديد لا يحمل فقط شبهات الجباية، بل يكشف عن ارتباك علمي صارخ. ففي مسار "الطب" مثلاً، لا يدرس الطالب الكيمياء والأحياء في الصفين الأول والثاني الثانوي، وفي مسار "الهندسة" يُستبعد تدريس الفيزياء! كما يُلزم طالب البكالوريا بدراسة مواد غير مضافة للمجموع في الصف الثاني، بينما تُفرض على طالب الثانوية التقليدية في الصف الثالث المصيري.
هذه التناقضات اعتبرها خبراء "إخلالاً فاضحاً بمبدأ تكافؤ الفرص" الذي يكفله الدستور، وتحويل الطلاب إلى "فئران تجارب" لنزوات الوزير.
خبراء: لا إصلاح بل مقامرة
الخبير التربوي د. محمود حمدي يرى أن البكالوريا المصرية ليست سوى "نسخة مشوَّهة من نظام لم يحصل على أي اعتراف دولي"، مؤكداً أن النظام سيُفرِّخ أجيالاً مشوشة لا تحظى بفرص متساوية في الجامعات الدولية.
أما الخبير الاقتصادي د. سامي الطاهر فيؤكد أن الهدف الأساسي هو "توفير قناة مالية جديدة" لتعويض تراجع موازنة التعليم، قائلاً: "النظام مفصَّل على قياس القدرة على الدفع، لا على جودة التعليم".
سر إصرار الوزير
السؤال الذي يطرحه كثيرون: ما سر إصرار الوزير المزور عبد اللطيف على هذا النظام؟
الإجابة، وفق معارضين، تكمن في أن البكالوريا تفتح شرياناً مالياً دائماً للوزارة وسط أزمة تمويل خانقة، بعدما تراجع الإنفاق على التعليم إلى 1.54% فقط من الناتج المحلي، في مخالفة صارخة للدستور، ومع عجز يقارب نصف مليون معلم، وفصول مكتظة بأكثر من 22 مليون تلميذ، اختار الوزير "الجباية" بديلاً عن أي إصلاح حقيقي.
العودة إلى تجربة فاشلة
النظام الجديد يعيد إلى الأذهان تجربة "التحسين" التي طُبّقت في التسعينيات ثم ألغيت بعد ثلاث سنوات فقط، إثر غضب شعبي واسع؛ بسبب التلاعب في الدرجات وتضخم المجاميع.
واليوم، يصر عبد اللطيف على إعادة تدوير الفشل في ثوب "بكالوريا مصرية"، لا تحمل من البكالوريا العالمية سوى الاسم.
ليس تطويراً للتعليم بل إعادة إنتاج لفوضى قديمة
ما يحدث ليس تطويراً للتعليم، بل إعادة إنتاج لفوضى قديمة، بغطاء جديد، هدفها استنزاف الأسر المصرية تحت شعارات "التطوير" و"التحديث"، فبين ثانوية عامة يحاربها الوزير، وبكالوريا لم تُعترف بعد، يجد الطالب المصري نفسه حبيس "سمك.. لبن.. تمر هندي" تعليمي، عنوانه الأبرز: الجباية قبل العلم.