استقالة 21 ألف طبيب خلال 7 سنوات… العمل بمستشفيات الحكومة سخرة فى زمن الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

 

يشهد القطاع الصحي في زمن الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي أحداثًا صادمة كشفت عن أزمة بيئة العمل بالمستشفيات وانتهاك حقوق الأطباء وأطقم التمريض، ما أدى إلى استقالة جماعية لثلاث عشرة طبيبة من قسم النساء والتوليد بإحدى المستشفيات الجامعية، ووفاة الطبيبة الشابة سلمى نتيجة الإرهاق الشديد وتدهور ظروف العمل.

كما شهدت مستشفى سيد جلال الجامعي بالقاهرة، واقعة اعتداء على طبيب امتياز خلال أداء عمله، ما أسفر عن إصابته بجرح قطعي في الوجه. 

وقال الطبيب محمد بسيوني، المجني عليه، إنه فوجئ بدخول مريض في حالة هياج، مصاب بجروح قطعية إثر مشاجرة، وكان يوجه السباب للأطباء داخل المستشفى، قبل أن يستولي على مشرط ويعتدي به عليه في وجهه. وأكد بسيوني فى تصريحات صحفية أن أمن المستشفى لم يتدخل لحمايته، وأن المريض لم يتم التحفظ عليه إلا بعد الواقعة، ليجري تسليمه لاحقًا للشرطة التي اتخذت الإجراءات القانونية بحقه.  

 

استقالات جماعية

 

وكشف تقرير لعدد من منظمات المجتمع المدنى عن ظروف قاسية لبيئة عمل الأطباء مؤكدا أن السنوات الاخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات استقالات الأطباء من العمل الحكومي خلال الفترة من 2020 إلى 2025.

وأشار التقرير إلى أن إجمالي الاستقالات بلغ أكثر من 21 ألفًا في سبع سنوات، مع تسجيل 4,261 استقالة في عام 2022 وحده، بمعدل 13.5 استقالة يوميًا. وفي الفترة من 2019 إلى مارس 2022، بلغ عدد الاستقالات 11,536، بما في ذلك 934 في الأشهر الأولى من 2022، واستمرت الاستقالات في الارتفاع، حيث سجل عام 2023 أكثر من 4,300 استقالة، وفي 2025 أعلنت جامعة الإسكندرية عن 117 وظيفة شاغرة بسبب استقالات جماعية، مع معدل يومي يصل إلى 12 طبيبًا. 

 

معاملة مهينة

 

فى هذا السياق أكد الدكتور خالد أمين، الأمين العام لنقابة الأطباء، أن أزمة المنظومة الصحية في مصر تتفاقم بشكل يومي، وأن ما يحدث لا يمكن وصفه إلا بـ”العبث الكامل”، مشيرًا إلى أن الضغوط المتراكمة التي يتعرض لها الأطباء أصبحت لا تُطاق، وبيئة العمل في المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية لم تعد تحتمل، وهو ما يدفع الكثير من الأطباء إما للاستقالة أو للهجرة خارج البلاد، أو حتى ترك المهنة تماماً .

وقال أمين فى تصريحات صحفية إن الأطباء يواجهون أوضاعاً اقتصادية شديدة التدهور، إذ يتقاضى الطبيب أجراً لا يليق إطلاقاً بطبيعة العمل ولا بمستوى المسؤولية، ويتعرض لمعاملة إدارية مهينة، كأن يُجبر على تسجيل بصمة الحضور والانصراف رغم كونه في غرفة العمليات أو وسط إجراء طبي طارئ، هذا لا يحدث في أي مكان بالعالم .

وأضاف : في مقابل هذه الظروف المهينة، نجد تصاعداً في ظاهرة ترك الخدمة، بل إن بعض الأطباء يرفضون من الأساس التعيين في المستشفيات الجامعية أو الحكومية، محذرا من أن الوضع تحول إلى ما يشبه المحرقة المهنية .

وأشار أمين إلى أن المهام الموكلة لطبيب واحد اليوم كانت موزعة على خمسة في الماضي، وبالتالي أطباء شباب ينفجرون من الضغط، وزملاؤهم يشهدون يومياً على ذلك مؤكدا أن النسخة الأولية لقانون المسؤولية الطبية خلقت حالة من الذعر بين الأطباء،

 

متهم جنائي

 

وتابع : نحن نرى كيف يجري تصوير الطبيب اليوم كمتهم جنائي، والتعامل مع الخطأ الطبي كجريمة جنائية مباشرة، دون تحقيق علمي أو حكم قضائي نهائي معربا عن أسفه لأن الإعلام والسوشيال ميديا يساهمان في التشهير بالأطباء، ولا يوجد حتى الآن قانون يحميهم من ذلك . 

وحذر أمين من خطورة الاستمرار في تجاهل شكاوى الأطباء، مشيرا إلى أن أي مريض غير راضٍ عن نتيجة علاج أو تدخل جراحي أصبح يملك أداة ترهيب مباشرة للطبيب عبر البلاغات والتشهير، هذا يجعل حتى من يملك عيادة خاصة أو مركزاً طبياً غير قادر على الاستمرار، لأن المطالب الإدارية والضرائبية تنهكه. فواتير إلكترونية، ضرائب مبالغ فيها، مصاريف لا تنتهي، وفي المقابل لا توجد أي تسهيلات تحفزه على البقاء داخل المنظومة . 

وأوضح أن الدول الخليجية والأوروبية باتت تقدم تسهيلات غير مسبوقة لاستقبال الأطباء المصريين، حيث كانت الهجرة الطبية سابقاً تحتاج إلى ستة أو سبعة أشهر لإنهاء الإجراءات، أما الآن، فالأمر يتم في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر فقط، رغم أن قيمة العقود انخفضت نسبياً هناك، لكنها لا تزال أعلى كثيراً من الداخل، خاصة مع تآكل قيمة الجنيه وصعوبة الحياة في مصر . 

وأكد أمين أن أصوات الأطباء لا تجد من يستمع إليها، لافتا إلى أنه حين حاول طرح هذه الأزمات بشكل مسؤول، فوجئ بتحويله إلى النيابة العامة، وكأن المطلوب من الطبيب أن يصمت فقط. بدلاً من الحوار.

وكشف أن وزارة الصحة بحكومة الانقلاب اختارت طريق البلاغات الأمنية. وكأن الطبيب أصبح تهديداً أمنياً، لمجرد أنه يطالب بحقوقه أو يعرض معاناة زملائه

 

خصوصية المرضى

 

في سياق أخر أعلنت نقابة الأطباء، استدعاء أحد الأطباء المتخصصين في أمراض النساء والتوليد للتحقيق أمام لجنة آداب المهنة بالنقابة، وذلك على خلفية مقطع فيديو متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي يسيء للمهنة. 

وأكدت النقابة في بيان لها، رفضها القاطع لمثل هذه السلوكيات التي تتنافى مع قدسية مهنة الطب، ومع القيم الإنسانية والمهنية والأخلاقية التي تفرض احترام خصوصية المرضى وصون كرامتهم. 

وشددت على أنها لن تتهاون في اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق أي عضو يسيء للمهنة أو يخل بواجباتها، مؤكدة التزامها الكامل بحماية شرف المهنة والحفاظ على ثقة المجتمع في الأطباء ورسالتهم السامية.