في الوقت الذي تستعد فيه إثيوبيا لإطلاق حفل ضخم يوم التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، لتدشين سد النهضة باعتباره إنجازاً قومياً واستراتيجياً، تتحرك القاهرة والخرطوم بخطوات متأخرة بعد أن فات الأوان، في مشهد يكشف حجم التخاذل الذي مارسه النظامان المصري والسوداني عبر سنوات، حتى أضاعا معاً ورقة القوة التي كانت في أيديهما، وتركوا حق شعوبهم المائي رهينة للمساومة.
فبعد أكثر من 13 عاماً من المفاوضات العقيمة والوعود الكاذبة، لم يخرج السيسي والبشير ـ ثم من جاء بعده ـ إلا ببيانات شجب ورفض لفظية، فيما استمرت أديس أبابا في فرض الأمر الواقع، حتى اكتمل السد وتحول إلى أداة ضغط عسكري وسياسي ضد دولتي المصب.
واليوم، بينما تتحدث القاهرة والخرطوم عن “وحدة الموقف” و”رفض الإجراءات الأحادية”، يتساءل الشارع: أين كان هذا الموقف حين وقّع السيسي والبشير على اتفاق إعلان المبادئ عام 2015، الذي شرعن بيديهما المشروع الإثيوبي؟
الاجتماع الأخير في القاهرة بين وزراء الخارجية والري في البلدين لم يضف جديداً سوى تكرار نغمة "المخاطر الجسيمة" و"التصدي المشترك"، بينما الحقيقة أن التخاذل سمح لإثيوبيا أن تحوّل السد من مجرد مشروع كهرباء إلى سلاح مائي يهدد حياة الملايين، ويضع السودان تحت رحمة التحكم في سد الروصيرص، ويترك مصر رهينة "التكيف" مع العجز المائي بتكلفة باهظة.
الخبراء أنفسهم يؤكدون أن الموقف السوداني المتقلب طوال سنوات التفاوض منح إثيوبيا فرصة ذهبية للمماطلة والتسويف، بينما كان السيسي مشغولاً بتقديم أوراق اعتماده لدى الغرب على حساب حقوق بلاده المائية. واليوم يحاولان ـ بعد خراب مالطة ـ الظهور بمظهر المدافع عن "الأمن المائي" أمام شعوب عطشى، فيما يعلن آبي أحمد بملء الفم أن بلاده دشنت "حقبة جديدة" من السيادة والتنمية، متباهياً بأن السد بات أكبر تحدٍّ تاريخي تغلبت عليه أديس أبابا رغم كل الاعتراضات.
لقد تحوّل سد النهضة من كابوس إلى حقيقة مفروضة، وأصبحت بيانات الاعتراض والتحركات الدبلوماسية لا تساوي شيئاً أمام واقع يرسّخه الاحتفال الرسمي المرتقب. وبينما تتمسك القاهرة والخرطوم باتفاق قانوني ملزم، لا ترى إثيوبيا في الأمر أكثر من محاولة يائسة لتقييد مشروعها الوطني، وتستمر في سياسة "الأمر الواقع" التي سمح بها السيسي والبشير منذ البداية.