لا دين ولا لغة عربية…التعليم الخاص تحول إلى كابوس لأولياء الأمور فى زمن الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

 

على مدار سنوات، ظل التعليم الخاص فى مصر يمثل حلماً يداعب تطلعات الكثير من الأسر، بحثاً عن بيئة تعليمية أكثر جودة واهتماماً. لكن هذا الحلم تحول عند كثيرين إلى كابوس ثقيل، حيث أصبحت المصروفات المدرسية تشكل عبئاً مالياً يفوق قدرة الطبقة المتوسطة، ويدفع أولياء الأمور للعمل ليل نهار، أو الاستدانة، من أجل الإبقاء على أبنائهم فى مدارسهم.

ووسط زحام المصروفات، وضياع الملامح الثقافية، وجد كثير من أولياء الأمور أنفسهم عالقين بين مطرقة «الجودة الأكاديمية» التى تعد بها المدارس الخاصة، وسندان «الهوية المفقودة» و«الضغوط المادية» التى تتزايد عاماً بعد عام، وبين مصاريف باهظة لا تتوقف عند حدود الأقساط، وتراجع واضح فى الاهتمام باللغة العربية والدين الإسلامى، وأصبحت رحلة التعليم الخاص بالنسبة للكثيرين رحلة شاقة تفقد مع الوقت معناها التربوى والوطنى.

 

مصروفات الدراسة

 

من جانبه قال خلف محمد، موظف فى الأربعين من عمره، وأب لثلاثة أبناء، إن حياته تحولت بالكامل منذ أن قرر إدخال ابنه الأكبر إلى مدرسة خاصة.

وأضاف محمد : كنت أظن أننى أستثمر فى مستقبل ابنى، لكننى لم أتوقع أن يستنزفنى الأمر بهذا الشكل. وأعمل فى وظيفتين، وأقوم ببعض الأعمال الإضافية فى المساء، فقط لأغطى مصروفات الدراسة .

وأشار إلى أنه مع دخول طفله الثانى سن التعليم، وجدت نفسه أمام مأزق: متسائلا هل أستطيع تحمل تكلفة مدرسة خاصة أخرى؟».

 

بنود جديدة

 

وقالت هالة عبدالرحمن، موظفة فى هيئة حكومية وأم لطفلتين،: نضطر أنا وزوجى إلى التخلى عن كثير من احتياجاتنا الأساسية لنبقى ابنتينا فى نفس المدرسة.  

وأكدت هالة عبدالرحمن أنه فى كل عام ترتفع المصروفات بشكل مفاجئ، وتضاف بنود جديدة تحت مسميات مثل (أنشطة– تكنولوجيا– دعم إدارى) دون توضيح، ودون قدرة على الاعتراض».

 

دائرة الأقساط

 

وكشف عماد عبدالفتاح، موظف فى إحدى شركات القطاع الخاص، أنه اضطر للاقتراض من البنك ليسدد قسط المدرسة. مشيرا إلى أن ما يزعجه ليس فقط المصروفات، بل طريقة التعامل مع من يتأخر عن السداد.

وقال «عبدالفتاح» ان الطالب يتلقى تنبيهات، ويمنع أحياناً من دخول الفصل أو الامتحان. وهذه ممارسات قاسية نفسياً على الطفل قبل أن تكون ضغطاً علينا كآباء.

وطالب مثل كثير غيره من أولياء الأمور بتدخل حكومى لضبط منظومة التعليم الخاص، من خلال رقابة حقيقية على المصروفات، وشفافية فى عرض الخدمات المقدمة، ووضع آلية لحماية الأسر من الاستغلال.

وتابع «عبدالفتاح» قائلاً إن شريحة من أولياء الأمور لجأت إلى نقل أبنائها إلى مدارس حكومية، ليس لعدم رغبتهم فى التعليم الجيد، بل لأن الاستمرار فى «دائرة الأقساط» لم يعد ممكناً، متسائلاً: هل سيظل التعليم الجيد فى مصر حكراً على من يملك القدرة المالية؟ أم أن الوقت قد حان لإعادة النظر فى منظومة التعليم الخاص، وتحقيق التوازن بين الجودة والتكلفة، بما يضمن حق الجميع فى تعليم لائق دون أن يدفعوا أعمارهم ثمنًا له؟

 

العربي والدين

 

وقالت نهى محمود، أم لطفلين فى إحدى المدارس الإنترناشونال بالقاهرة الجديدة،: «اديت المدرسة شيك بـ 120 ألف جنيه لطفلى الكبير فى كى جى 2، ده غير الباص والكتب والأنشطة. وابنى لا يستطيع قراءة جملة عربى واحدة!».

وأشارت نهى إلى أن المدرسة تعتبر اللغة العربية مادة هامشية، وبيتعلموها على استحياء… والدين الإسلامى؟ ولا كأنه موجود فى الجدول، مفيش تعمق، ولا حتى احترام للمناسبة الدينية .

 

كله بالإنجليزى

 

وكشف ياسر فوزى، موظف فى شركة خاصة، يحكى أن ابنته فى الصف الرابع الابتدائى بإحدى مدارس الناشونال، وتدفع الأسرة ما يقرب من 85 ألف جنيه سنوياً .

وقال فوزى : «بنحرم نفسنا من كل حاجة عشان نوفر لها تعليم كويس، بس اللى بشوفه بيخلينى أندم. لا فى التزام دينى، ولا أى اهتمام باللغة العربية، وكأن المدرسة بتجهزهم يعيشوا فى مجتمع تانى».

وأشار إلى أن طفلته أصبحت لا تستطيع كتابة جملة سليمة بالعربية، ولا تحفظ آية واحدة من القرآن؛ مؤكدا أن «كل حاجة بالإنجليزى.. حتى أسئلة التربية الدينية بتتكتب بالإنجليزى!».

 

مناهج أجنبية

 

وقالت منى عبدالسلام، أرملة وأم لثلاثة أبناء، تعمل فى قطاع التعليم، انها قررت إلحاق ابنتها الكبرى بمدرسة دولية أملاً فى تعليم حديث، لكنها سرعان ما صدمت بالواقع؛ مؤكدة أن «المدرسة بتدرس مناهج أجنبية بالكامل، ما فيش أى محتوى بيعلم الأطفال عن بلدهم، أو دينهم، أو حتى تاريخهم»

 وأضافت منى عبدالسلام : «حسيت بنتى بتتعلم تبقى حد تانى غير اللى المفروض يكون مصرى وعربى ومسلم».

 

«تعليم بدون رسالة»

 

وحذر عدد من أولياء الأمور من أن أبناءهم يعيشون حالة من «الاغتراب داخل وطنهم»، بسبب تغريب اللغة، وإهمال الهوية الدينية. وقالت سارة محمد، ولى أمر لطالب فى الصف الأول الإعدادى بمدرسة إنترناشونال بالشيخ زايد: «ولادى بيتكلموا إنجليزى حتى فى البيت، وكل ما أطلب منهم يقرأوا قرآن أو يصلوا، ألاقى برود وعدم اهتمام. المدارس دى بتخلينا نشترى تعليم من غير روح».

وأكدت سارة محمد أن المشكلة لم تعد فقط فى ارتفاع التكاليف، بل فى غياب الرسالة التربوية، وانفصال المدارس عن الثقافة المصرية والدين الإسلامى. مشيرة إلى أنه بينما تغرق المدارس الدولية فى اللغات والأنشطة، تتراجع أمامها القيم والأخلاقيات والهوية.

وطالبت بوجود رقابة فعلية من وزارة التعليم على المحتوى التعليمى فى المدارس الدولية والخاصة، وفرض معايير واضحة لضمان تدريس الدين واللغة العربية بشكل جاد، وليس صورياً، إلى جانب تحديد سقف للمصروفات الخيالية التى ترهق كاهل الأسر دون مردود حقيقى.