ترفض حكومة الانقلاب دعوات منظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية لإصدار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء، وتجريم العنف المنزلي ، وتجريم العقاب البدني ضد الأطفال.
وتزعم حكومة الانقلاب أنها كفلت استقلال المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنحته صلاحية تفتيش أماكن الاحتجاز، وأشارت إلى إلغاء القوانين التمييزية ضد النساء والفتيات، وحصر تطبيق الإعدام على الجرائم بالغة الخطورة وفق تعبيرها .
كما زعمت أنه يتم الإفراج عن المحتجزات احتياطيًا ممن تجاوزت مدة حبسهن عامين. ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية إلى تكذيب هذه التصريحات مؤكدة أنها لا تعكس الواقع بأي صورة.
كانت مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، قد وثّقت ارتكاب 1195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات في مصر خلال عام 2024، وذلك بحسب التقرير السنوي الصادر عن مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات.
وأوضح التقرير أن 540 جريمة من هذا العدد ارتُكبت على يد أسر الضحايا أو أحد أفرادها، ما يعكس اتساع نطاق العنف الأسري. وتصدّرت جرائم القتل أنواع العنف المُرتكب، حيث تم رصد 363 واقعة قتل خلال عام واحد، من بينها: 261 جريمة ناتجة عن عنف أسري، ارتكبها الزوج أو الشريك (الحالي أو السابق) أو أحد أفراد الأسرة؛ 67 جريمة قتل ارتكبها أشخاص من خارج دائرة الأسرة.
وأشار إلى أنه من حيث وسائل القتل، كان الطعن أكثرها شيوعًا بنسبة 23.1%، تلاه الخنق بنسبة 19%، ثم الضرب حتى الموت بنسبة 15.4%.
تصاعد الجرائم
من جانبها قالت نيفين عبيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة: مهما حاولت حكومة الانقلاب إنكار تفشي العنف ضد النساء، فإن الوقائع على الأرض باتت أبلغ من أي بيانات مؤكدة أن ما تشهده مصر فى زمن الانقلاب لا يقتصر على تزايد الجرائم، بل يشمل تصاعدًا في شراستها، حيث تصل إلى حد التعذيب قبل القتل .
وأشارت نيفين عبيد فى تصريحات صحفية إلى عدة أمثلة صادمة، من بينها مقتل زوجة بأنبوبة بوتاجاز، وأخرى بمياه ممزوجة بمادة كاوية، وصولًا إلى جرائم التعذيب والقتل كما في حالة الشابة آية عادل في الأردن. وأضافت : لم نعد أمام جرائم عنف فقط، بل حالات تعذيب وقتل في الشارع، لمجرد أن الضحية امرأة، وهو مؤشّر لا يمكن إنكاره .
وانتقدت إنكار حكومة الانقلاب لتورطها فى هذه الجرائم الحقوقية لافتة إلى أن هذه الحكومة تتبع نمطا متكررا في التعامل مع قضايا العنف .
وذكرت نيفين عبيد أنه بعد ثورة 25 يناير، أنكرت دولة العسكر الاعتداءات الجنسية الجماعية وكشوف العذرية، ووصفتها بأنها حملات لتشويه البلد. واليوم تُكرر النهج ذاته، من خلال إنكار أزمة العنف ضد النساء لحماية صورتها أمام الخارج، ولو كان الثمن معاناة آلاف النساء .
ثغرات خطيرة
من الجانب القانوني، أكدت أن دولة العسكر تفتقر إلى رؤية واضحة لإقرار قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، مؤكدة أن ذلك يتطلب إعادة هيكلة شاملة للمنظومة التشريعية، وتنقية القوانين من ثغرات خطيرة، مثل المادة 17 من قانون العقوبات، التي تتيح تخفيف العقوبة في جرائم جسيمة، والمادة 60، التي تُستخدم لتبرير العنف تحت ذريعة “الحق الشرعي”.
وشددت نيفين عبيد على أن دولة العسكر لا تُظهر أي استعداد سياسي أو إداري للتعامل الجدي مع هذه القضايا، وتتعامل معها بوصفها ملفات هامشية مقارنة بأولويات أخرى.
ولفتت إلى أن قانون الأحوال الشخصية نفسه تعثر لأسباب سياسية ومجتمعية، حتى في ما يخص المواطنين غير المسلمين مشددة على أن غياب التشريع ليس مسألة فنية أو قانونية فقط، بل هو انعكاس مباشر لطبيعة النظام السياسي، الذي يتغاضى عن العنف ضد النساء، ولا يضع قضاياهن ضمن أولوياته.
وأكدت نيفين عبيد أن دولة العسكر لا ترى في هذا العنف أزمة وطنية تتطلب إصلاحًا جذريًا وهو ما يكشف عدم ادراكها لحقوق الإنسان وتجاهلها الكثير من محاور الملف الحقوقى المثقل بالكثير من الجرائم .
البنية القانونية
وقالت سمر الحسيني، المديرة التنفيذية لـ المنبر المصري لحقوق الإنسان، إن رواية حكومة الانقلاب حول مكافحة العنف ضد النساء تتجاهل خللًا جوهريًا في البنية القانونية موضحة أنه رغم ما تدّعيه حكومة الانقلاب من إجراءات، إلا أن هناك مشكلة أساسية في تعريف الاغتصاب داخل القانون المصري، إذ لا يوجد حتى الآن أي تجريم صريح للاغتصاب وحتى الآن، تخوض الحركات النسوية معركة قانونية واجتماعية طويلة لإقراره .
وكشفت سمر الحسيني فى تصريحات صحفية أن أخطر ما في الأمر هو الرفض القاطع من جانب حكومة الانقلاب لإصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، ما يؤدي إلى التعامل مع هذه القضايا عبر مواد متفرقة ومبعثرة من قوانين متعددة، وهي مقاربة تُضعف من فاعلية التصدي للعنف على المستويين التشريعي والتنفيذي.
وأوضحت أنه رغم الارتفاع الملحوظ في نسب العنف الأسري، والتحرش، والانتهاكات الجنسية في مصر، لا تزال دولة العسكر ترفض الاعتراف بوجود أزمة بنيوية تتطلب تدخلًا تشريعيًا شاملًا وتتجاهل واقع الهشاشة التشريعية .
مطلب طبيعي
وأشارت سمر الحسيني إلى أن المادة التي تُجرّم التحرش لا ترتبط بأي آليات لحماية الشهود أو المبلّغات؛ ولا توجد برامج تدريب منهجية لتأهيل العاملين على تلقي شكاوى العنف الجنسي؛ لافتة إلى أن منظومة التعامل مع الناجيات تفتقر إلى الحساسية الجندرية والضمانات الأساسية.
واعتبرت أن المطالبة بإصدار قانون موحد ليست مطلبًا راديكاليًا أو رفاهية حقوقية، بل مطلب طبيعي وبديهي ترفعه المؤسسات النسوية منذ سنوات. معربة عن أسفها لأن تعامل دولة العسكر مع الملف يُظهر أنه مجرد أداة دعائية موجهة للخارج، وليس قضية داخلية تستوجب إصلاحًا جذريًا.