بعد تراجع الدولار ..خبراء لحكومة الانقلاب :  لماذا لا تنخفض الأسعار ؟ 

- ‎فيتقارير

 رغم تراجع الدولار بمعدلات طفيفة أمام الجنيه ومزاعم حكومة الانقلاب بأن الأسعار انخفضت مقارنة بالشهر الماضى إلا أن الأسعار على أرض الواقع لم تشهد أى انخفاضات بل هناك بعض السلع ما زالت أسعارها ترتفع لأسباب غير معلومة.   

ورغم تصريحات مصطفى مدبولي رئيس وزراء الانقلاب المتكررة بشأن انخفاض الأسعار تدريجيًا واقتراب حدوث انفراجة اقتصادية، إلا أن الأسواق المصرية لا تزال تشهد أسعارًا مرتفعة للسلع الأساسية والمنتجات الاستهلاكية، وهو ما يثير تساؤلات المراقبين: لماذا لا تنخفض الأسعار؟ وهل هناك مَن يفتعل الأزمات لتحقيق مكاسب على حساب معاناة المصريين؟ .

يؤكد الخبراء أن استمرار غلاء الأسعار رغم انخفاض الدولار يؤشر إلى خلل هيكلي في الاقتصاد وغياب الرقابة الفعلية، ويحمّلون نظام الانقلاب فوضى السوق وغياب الشفافية. 

وقالوا إن الدولار انخفض على الورق فقط، لكن السوق الحقيقية لا تعترف بهذه الأسعار، بسبب استمرار السوق السوداء، وتعطّل سلاسل الإمداد، واحتكار شركات تابعة للجيش وجهات سيادية للسلع الاستراتيجية. 

 وأشار الخبراء إلى أن الأسعار لن تنخفض لأنه لا يوجد سوق حر ولا منافسة في دولة تهيمن على كل شيء وتحدد الأسعار لمصلحتها، وليس لمصلحة المواطن، مؤكدين أن المشكلة الحقيقية ليست في سعر الدولار بحد ذاته، بل في تركيبة السوق المصرية الخاضعة لهيمنة كيانات حكومية، وغياب المنافسة، واستمرار العمل بـ"أسعار وهمية" في سلاسل الإمداد. 

 

آليات التسعير الديناميكي 

حول أسباب عدم انخفاض الأسعار قال الخبير المصرفي محمد بدرة، ، إن مصر فى زمن الانقلاب تعتمد على الاستيراد في توفير ما بين 30 إلى 40% من احتياجاتها، خصوصًا من السلع الغذائية، ما يجعل الأسعار مرتبطة بشكل مباشر بسعر صرف الدولار. 

وأشار بدرة فى تصريحات صحفية إلى أن بعض السلع المعروضة في الأسواق حاليًا تم استيرادها بسعر دولار مرتفع في وقت سابق، وبالتالي يتم تسعيرها على هذا الأساس، موضحًا أن التجار يستخدمون هذا كأحد مبرراتهم لعدم خفض الأسعار فورًا رغم تراجع الدولار حاليًا. 

وأضاف أن سوق التجارة في زمن الانقلاب يمتلك طبيعة خاصة، حيث يستجيب بسرعة لارتفاع الدولار، لكنه يتأخر في التفاعل مع انخفاضه، وهو ما يعكس غياب آليات التسعير الديناميكي والرقابة الصارمة على الأسواق. 

وكشف بدرة أن بعض التجار يرفضون خفض الأسعار حتى مع بدء استيراد سلع جديدة بالدولار المنخفض، مفضلين الحفاظ على هامش ربح مرتفع، ما يؤدي إلى بطء ملموس في حركة الأسعار نحو الانخفاض. 

وأشار إلى أن ضعف الرقابة على الأسواق، خاصة في الفترات الماضية، ساهم في تجاوز بعض التجار لنسب الزيادة المبررة، مما جعل الأسعار ترتفع بأكثر من نسبة ارتفاع الدولار ذاته، مؤكدا أن بعض الخدمات في السوق المصري لا تتأثر بانخفاض الدولار على الإطلاق، وتظل محافظة على آخر مستوى سعري وصلت إليه، على عكس السلع التي قد تنخفض تدريجيًا مع الوقت وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة. 

 

السوق المصرية 

 قال الدكتور وليد جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، إن الانخفاض الأخير في سعر الدولار من المفترض أن ينعكس إيجاباً على أسعار السلع والخدمات، نتيجة تراجع تكاليف الإنتاج والتوزيع والتجارة بشكل عام. 

وأعرب جاب الله عن أسفه لأن السوق المصرية تتميز باستجابة غير متوازنة تجاه تحركات الدولار، حيث يلاحظ سرعة في رفع الأسعار عند صعود العملة الأجنبية، مقابل بطء واضح في استجابتها للانخفاض. 

وأوضح أن هذا النمط في الاستجابة يرتبط بطبيعة السوق المحلية، الذي يحتاج فترات طويلة حتى تترجم التغيرات الإيجابية في سعر الصرف إلى انخفاضات فعلية في أسعار السلع الأساسية، مؤكدا أن الاستجابة البطيئة عند تراجع الدولار تُعد واحدة من التحديات الهيكلية في السوق المصرية، وهو ما يستدعي تدخلاً مباشراً من الجهات الحكومية . 

وشدد جاب الله على ضرورة تواصل الجهات الحكومية مع المنتجين والتجار من أجل دفعهم إلى خفض الأسعار، داعيا إلى توسيع هذا الجهد ليشمل مؤسسات المجتمع المدني، من خلال تعزيز توفير البضائع في المعارض الحكومية والجمعيات الاستهلاكية. 

 

تكاليف الاستيراد 

 

فى المقابل قال حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية، إن التراجع في سعر صرف الدولار أمام الجنيه، الذي وصل إلى نحو 48.85 جنيه للبيع، يعد مؤشرًا اقتصاديًا إيجابيًا يجب استثماره بسرعة وفعالية، خاصة في قطاع السلع الغذائية الذي يلامس حياة المواطن اليومية بشكل مباشر. 

وأضاف المنوفي فى تصريحات صحفية أن استقرار سعر الصرف، إلى جانب ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج وتحسن مؤشرات الحساب الجاري، يساهم بشكل مباشر في خفض تكاليف الاستيراد وتيسير حركة الشحن، مما يوفر فرصة حقيقية لضبط أسعار المنتجات والسلع في الأسواق المحلية خلال الفترة المقبلة. 

وتابع: ما نشهده اليوم هو تحول نوعي في مناخ السوق، وعلى التجار والموردين أن يتحركوا بمسئولية، وأن يعكسوا هذا التراجع في سعر الدولار على الأسعار النهائية للمستهلك، موضحا أنه لم يعد هناك مبرر لرفع الأسعار، والمستهلك يجب أن يلمس هذا التغيير في أقرب وقت. 

وأوضح المنوفي أن انخفاض الدولار مقابل الجنيه سيؤدي لانخفاض تكلفة الاستيراد مما يساهم في زيادة توافر السلع وتحقيق منافسة عادلة بين الشركات، مما يدعم استقرار الأسواق ويحد من موجات التضخم العشوائية، خاصة في قطاع الأغذية والسلع الاستهلاكية. 

 

نقطة الصفر 

وشدد على ضرورة استغلال هذه المؤشرات الإيجابية من خلال خطط واضحة لدعم الصناعات الوطنية، وتيسير الإجراءات الجمركية، وتوفير بيئة محفزة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يضمن التوازن بين العرض والطلب ويحمي الأسواق من أي صدمات مستقبلية.  

وأشار المنوفي إلى أن الأسواق الآن أمام فرصة ذهبية للانضباط والاستقرار، والمطلوب هو تحرك جماعي من دولة العسكر، والقطاع الخاص، والتجار، لحماية المستهلك المصري، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني، لأن إهدار هذه الفرصة سيعيدنا إلى نقطة الصفر، وهو ما لا نريده جميعًا.