في خطوة تعكس إفلاس النظام الانقلابى وغياب أي رقابة شعبية حقيقية، شرعت حكومة عبد الفتاح السيسي في بيع مستشفيات حكومية وشركات أدوية تدعم صحة محدودي الدخل إلى صناديق استثمار عربية وأجنبية، مقابل حفنة من الأموال، في ظل صمت برلمان مغيب وإعلام مُسخّر.
مستشفيات الفقراء في المزاد الخليجي
كشفت مصادر حكومية لصحيفة "البورصة" المحلية أن صناديق استثمار سعودية وإماراتية وكويتية وقطرية، إلى جانب صندوق أجنبي واحد، تتفاوض للاستحواذ على حصص استراتيجية في عدد من المستشفيات الحكومية وشركات الأدوية التي طُرحت للبيع مؤخراً.
وبحسب المصادر، فإن متوسط قيمة الصفقة الواحدة لن يقل عن ملياري جنيه مصري (حوالي 39 مليون دولار)، مع توقعات بحسم الصفقات خلال النصف الثاني من العام الحالي.
ويبرز الاهتمام الأكبر من جانب الشركات الإماراتية والسعودية، خاصة في قطاع الأدوية، الذي يشهد بالفعل تحركات واسعة نحو الاستحواذ على كيانات حيوية تخدم ملايين المصريين من الفئات الفقيرة والمتوسطة.
قانون التفريط في الصحة العامة
في مايو/أيار الماضي، مررت حكومة السيسي قانوناً يتيح لأول مرة منح امتياز إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية للمستثمرين المحليين والأجانب، رغم التحذيرات الواسعة من أحزاب معارضة ونقابة الأطباء ومنظمات حقوقية.
القانون يسمح للمستثمرين بإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية لفترات تصل إلى 15 عاماً، مع التزام شكلي بعودة المنشآت للدولة بعد انتهاء العقود. ويمنح القانون صلاحيات واسعة لجلب أطباء وفنيين أجانب للعمل في تلك المؤسسات بشروط مرنة تفتح الباب أمام تغريب الخدمة الطبية.
الإمارات والسعودية.. سوابق في السيطرة على الصحة المصرية
التجربة مع استحواذ الشركات الخليجية على قطاع الصحة في مصر تثير مخاوف جدية؛ فشركة "أبراج كابيتال" الإماراتية كانت قد استحوذت سابقاً على مستشفيات كبرى مثل كليوباترا والقاهرة التخصصي والنيل بدراوي، بالإضافة إلى أكبر سلسلتين من معامل التحاليل، "البرج" و"المختبر"، التي تمتلك مئات الفروع.
كما اشترت مجموعة علاج الطبية السعودية تسعة مستشفيات كبرى ومعامل "كايرو لاب" للأبحاث الطبية ومراكز "تكنو سكان" للأشعة، مما أثر على أسعار الخدمات وجودتها.
ولم تكن النتيجة لصالح المواطن المصري؛ إذ رفعت الإمارات بالفعل أسعار الخدمات الصحية في المؤسسات التي استحوذت عليها سابقاً، ما جعل الحصول على العلاج اللائق ترفاً بعيد المنال لملايين المواطنين.
رهينة لصندوق النقد والرُز الخليجي
تأتي موجة التفريط في أصول الصحة العامة استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، الذي اشترط على مصر بيع أصول حكومية بقيمة 8.7 مليارات دولار كجزء من برنامج قرض جديد تبلغ قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار.
وكانت مصر قد وقعت اتفاقاً مع صندوق سيادي إماراتي لضمان تدفقات مالية تقدر بـ24 مليار دولار، خصصت لإقامة مشروع عقاري فاخر على ساحل البحر المتوسط، في وقت تتفاقم فيه أزمة السكن والخدمات العامة للفئات المتوسطة والفقيرة.
وبحسب بيانات صندوق النقد، باعت الحكومة خلال السنة المالية 2023/2024 أصولاً بقيمة 2.2 مليار دولار، وهو ما جاء أقل من المستهدف (2.8 مليار دولار)، مما دفع النظام للإسراع في تصفية مزيد من الأصول الحيوية خلال العام المالي الحالي.
نحو حرمان الغالبية من حق العلاج
تسير الأمور نحو خصخصة واسعة للقطاع الصحي الحكومي، مما ينذر بحرمان الغالبية العظمى من المصريين من حقهم الدستوري في العلاج العادل والميسر، لصالح مستثمرين يسعون لتحقيق أرباح على حساب صحة الشعب.
ومع غياب برلمان حقيقي وصحافة حرة قادرة على كشف الحقائق، تظل أغلب هذه الصفقات تتم في أجواء من الغموض وعدم الشفافية، تاركة المواطن المصري يواجه مصيره وحيداً في منظومة صحية باتت سلعة تباع وتشترى.