تواصل حكومة الانقلاب وميليشيات أمن السيسي ارتكاب جرائم الإخفاء القسرى بحق المواطنين الأبرياء الذين تقوم بالقاء القبض عليهم واخفائهم لمدد قصيرة أو طويلة وترفض الكشف عن مصيرهم وأماكن احتجازهم وهو ما يؤكد همجية أمن الانقلاب وانتهاكاته لحقوق الإنسان دون اعتبار لقوانين أو تقاليد مجتمعية أو قيم دينية فلا شئ يحول دون ارتكاب هذه الجرائم لدى الهمج.
وتشمل جرائم الاخفاء القسري حتى الأطفال والنساء، وفى هذا السياق وثقت منظمتا “العفو الدولية” و”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” اختفاء 12 طفلًا قسريًا في الفترة بين عامى 2015 و2018. وفي تقرير “شتاء المختفيات في مصر”الصادر في 2018، وثقت الجبهة تعرض 12 سيدة بين 20 و56 عاما للاختفاء القسري، ضمن قضية ما يعرف بـ”اللهم ثورة”.
الإجراءات القانونية
فى هذا السياق قال حسام المُخلى سبيله حاليًا : رغم الرصيد السياسي الطويل لأسرتى إلا أنه حين داهمت قوات أمن الانقلاب منزلى فى منتصف 2024، وأخفتنى في مكان غير معلوم لبضعة أيام قبل ظهورى في نيابة أمن دولة العسكر، قررت أسرتى التكتم على الخبر حتى لا نستفز أمن الانقلاب .
وأكد حسام علم أسرته بالإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في حالات الاختفاء القسري إلا أن الخبرة العملية تقول إن بلاغات الاختفاء لم تعد تجلب إلا المزيد من الأذى للمختفي ولذلك خشيت أسرتى من الحديث عن اختفائي لتفويت فرصة أن يكون الاخفاء مجرد تعليم للأدب .
واعتبر أن صمت عائلته، رغم وعيها بأهمية توثيق جرائم الاختفاء القسري، كان هزيمة أو استسلامًا أمام جريمة تتكرر باستمرار. لكنه لا يلومها، مؤكدًا أنه حتى الأصدقاء والمحامين نصحوهم بعدم التحدث أو الكتابة عن الأمر .
الصمت والانتظار
وقال “علي”: قضيت ليلة مرعبة راقبت فيها عناصر أمن الانقلاب ست ساعات، وهي تحوم حول منزلي فى محاولة للوصول إليّ والقاء القبض عليّ .
وأضاف : عقب القبض عليّ خشيت أسرتى التصرف بشكل يضرني، وتواصلت مع زملائي الذين نصحوها بالصمت والانتظار، مبررين ذلك بأنه لو تم تداول الخبر على نطاق واسع ربما يلفت ذلك النظر إليّ ويطرح أسئلة لدى أمن الانقلاب حول من الذي يهتم به الإعلام بهذه الطريقة.
فيديو أصحاب المحل
وكشفت “آمال” 58 عامًا عن رحلتها مع محاولة إثبات اختفاء نجلها مطلع عام 2024 في قضية تظاهر .
وقالت انها لم تجد تعنتًا أثناء إرسال تليغرافًا لنائب عام العسكر باختفاء نجلها، من مكتب بريد مشيرة إلى أن ما حدث بعد ذلك كان فجًا، حيث حصلت على فيديو للحظة خروج ابني من المنزل بصحبة أفراد أمن الانقلاب، من كاميرا مراقبة بإحدى المحال القريبة، ونشرت الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، فجاء أمن الانقلاب وقبض على أصحاب المحل عقابًا لهم على مساعدتي .
وأكدت “آمال” أن أسرة أصحاب المحل هاجمتها واضطرتها إلى ترك السكن والابتعاد خارج المنطقة .
العدالة الجنائية
حول جريمة الإخفاء القسرى وتطورها قال محمود شلبي باحث معني بالشئون المصرية في منظمة العفو الدولية، ان حكومة الانقلاب أصبحت تستخدم سياسة الاختفاء القسرى وكأنه جزء من العدالة الجنائية
وأكد شلبى فى تصريحات صحفية أن غرض الانقلاب من ممارسات الاخفاء بهذا الشكل هو معاقبة المعارضين ليس فقط بالسجن، ولكن أيضًا بالاختفاء والتعذيب ثم السجن في ظروف شديدة السوء مشيرا إلى أن هناك حزمة عقاب من ضمنها الاختفاء القسري الذي أصبحت له طبيعة ممنهجة .
وكشف أن الأرقام المذكورة في تقارير المنظمات الحقوقية حول الاختفاء القسري منذ 2013 أقل من الواقع بكثير لأن دولة العسكر لا تتيح أي معلومات عن السجناء بشكل عام ، فضلًا عن تراجع أعداد التقارير الصادرة حديثًا عن المنظمات حول الاختفاء القسري بعد ملاحقات أمن الانقلاب للمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان وتجميد الأرصدة والمنع من السفر .
تقاعس النيابة
وأكد الخبير السياسي هلال عبد الحميد أن الاختفاء القسري لا يعتبر ظاهرة حديثة على مصر، لكن هذا الانتهاك أخذ منحنى متصاعدا منذ وقوع الانقلاب على أول رئيس مدنى منتخب الشهيد محمد مرسى فى عام 2013.
وأرجع عبد الحميد فى تصريحات صحفية السر في غياب حائط الصد، إلى أنه كان يفترض من النيابة القيام بهذا الدور من ردع وتفتيش على ضباط الانقلاب موضحًا أنه في الماضي كانت الأسر تبلغ النيابة باختفاء أحد ذويها، فتقوم النيابة بالتفتيش على الضابط، وكان يخشى الأخير عثور النيابة على أماكن احتجاز غير قانونية ، وأكد أن تفتيش الشرطة كان يأخذ إجراءات قاسية ضد الضباط وهو ما لا يحدث الآن .
وأشار إلى أن الاختفاء القسري في ظل غياب الرادع توسع ليشمل القضايا الجنائية وليس السياسية فقط، خاصة في الصعيد والقرى، معتبرًا أن وضع الاختفاء القسري خارج المدن أسوأ “الناس ينتهك حقوقها في الأرياف بشكل متواصل بدون كلام عنه في الإعلام أو المنظمات الحقوقية.”
البلاغات
وقال “خالد” محام حقوقي ان المحامين بعد اعتيادهم لفترة طويلة تقديم بلاغات وبذل مساعي لطلب الإفراج عن المختفين قسريًا، أصبح لديهم عزوف عن اتخاذ هذه الإجراءات خاصة وإنهم يعلمون إنها لن تأتي بنتيجة.
وأضاف “خالد”: وفقًا للقانون المصري اختفاء أي شخص يتطلب تقدم ذويه ببلاغ إلى النائب العام باعتباره السلطة العليا للقضاء أو وزير الداخلية باعتباره السلطة العليا للشرطة أو رئيس الجمهورية باعتباره السلطة العليا للسلطة التنفيذية، لمطالبتهم بالتحقيق في واقعة الاختفاء موضحا أن أهمية البلاغات تتمثل في تحريك النيابة للتأكد من صحة واقعة الاختفاء إلى جانب إنه يعتبر وثيقة رسمية يستند إليها المحامي في دفاعه عن المختفي حال ظهوره.
وتابع: ما أدركناه بعد ذلك أن البلاغات كانت تستفز شرطة الانقلاب خاصة وأنه كانت توضع فيها أسماء الضباط المتورطين في الاختفاء ، مشيرًا إلى أن ذلك كان يترتب عليه المزيد من الأذى للمختفي، إلى جانب أن نيابة الانقلاب اعتادت عدم القيام بدورها في التثبت من وقائع الاختفاء، ما يعني أن البلاغات باتت مصدر أذى للمختفين، ولا تُعامل بجدية من نيابة الانقلاب .
وأوضح “خالد” أنه لحل المعادلة للحصول على وثيقة رسمية تدعم موقف المختفي في الدفاع وفي نفس الوقت نجنّبه احتمال التنكيل به، بتنا نوجه أسر الضحايا إلى إرسال تليغراف إلى النائب العام بدلًا عن البلاغ لافتا الى الفرّق بين البلاغ والتلغراف بأن التليغراف لا يصنع الأثر الذي يصنعه البلاغ؛ إذ تذهب التلغرافات إلى مكتب النائب العام وترمى في الأدراج ما يضمن عدم معرفة جهة الإخفاء بتحرك الأسر على عكس البلاغ الذي يأخذ رقم عرائض ويتطلب ردا من نيابة الانقلاب ومن ثم تعلم به جهة الإخفاء .
وكشف أن بعض المحامين باتوا يوجهون الأهالي نحو الصمت بدلًا من اتخاذ أي إجراء قانوني، في إقرار بعدم جدوى الإجراءات القانونية مشيرا إلى أن ”اليأس” يدفع بعض المحامين إلى العزوف عن اتخاذ الإجراءات القانونية، بجانب التهديدات الشخصية التي يتعرض لها المحامون وتؤثر على أدائهم .
وأكد “خالد” أن المحامي الذي يعمل في ملف الاختفاء القسري يواجه أخطارًا كبيرة، لأنه يعمل في ملف لا ترغب سلطات الانقلاب في تغييره أو فتحه لافتا إلى أنه لا يريد أن يقول إن المحامين يخافون على أنفسهم ولكن لم يعد أحد بمنأى عن الخطر.