وسط ترحيب إماراتي ورفض أممي .. حكومة سودانية”موازية” بكينيا” لماذا تعتبر مؤامرة على الخرطوم والقاهرة ؟

- ‎فيتقارير

 

أثار إعلان قوى وحركات مسلحة سودانية توقيع ميثاق لتشكيل حكومة، وإقامة دولة علمانية ديمقراطية لامركزية، التساؤلات حول موقف القاهرة من التطورات الجارية على حدودها الجنوبية، خاصة أنه منذ اندلاع حرب السودان في أبريل 2023، وهي تدعم الجيش السوداني وحكومة قائد الجيش السودانيعبدالفتاح البرهان.

وأكد تقرير لصحيفة “التايمز”، أن الحشد السريع في نيروبي “يحاول أن يحقق على طاولة المفاوضات ما فشل في تحقيقه على أرض المعركة”.

 

ومنذ الثلاثاء الماضي، 18 فبرايرالجاري، استضافت العاصمة الكينية نيروبي فصائل سودانية مسلحة تتبع قوات الدعم السريع، الممولة إماراتيا، ومعها حركات وتجمعات سياسية معارضة لحكومة الخرطوم، فيمباحثات برعاية إماراتية، توصلت إلى “تأسيس حكومة سلام ووحدة في الأراضي التي تسيطر عليها قوات الحشد”.

 

وفي مقال للصحفي السوداني عثمان ميرغني، بصحيفة “الشرق الأوسط”، أكد أن مشروع الحكومة الموازية التي يجري طبخها هذه الأيام في نيروبي، “جاءت متعثرة، بدءا بانقسام في تنسيقية القوى المدنية (تقدم) وحلها، سواء كان الطلاق بين الجناحين حقيقيا أم تكتيكيا”.

 

وأوضح أنه “جاء بعد ذلك تأجيل الجلسة الافتتاحية لمؤتمر(التأسيس) لهذه الحكومة 24 ساعة، ثم تأجيل التوقيع على ميثاقها 3 أيام، وحتى بعد هذا التأخير فإن تشكيل الحكومة وهياكلها يبقى معلقا حتى إشعار آخر”.

 

ورأى أن “هذه الانطلاقة المتعثرة تنبئ بما هو قادم في طريق هذهالحكومة إن اكتملت ولادتها، والفشل المتوقع لمخطط محركيها”.

 

وقال: إنها “في جوهرها خطوة إعلامية لرفع المعنويات بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقتها قوات الدعم السريع، أكثر من كونها مشروعا حقيقيا لدولة لاتوجد إلا في خيال من فكروا فيها وحاكوا مؤامرتها”.

 

 

            

حضور إماراتي ورفض سوداني وأممي

ووفق “بلومبيرغ”، فإن حكومة أبوظبي ستقدم قرضا بقيمة 1.5 مليار دولار لكينيا التي من المقرر أن تستقبل الحكومة السودانية في المنفى، وذلك في إطار دعم الإمارات منذ  أبريل 2023، قوات الدعم السريع في حرب خلّفت 20 ألف قتيل و15 مليون نازح ولاجئ، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما قدربحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

 

والسبت، اتهم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، كينيا بالتحرك “بناء على إيعاز من دول أخرى لها مصالحفي السودان”، ملمحا إلى الإمارات بقوله لموقع قناة “الحرة” الأمريكية: “لدينا أدلة تثبت دورها في الحرب بالسودان”.

 

ويلقى تشكيل “حكومة موازية”في نيروبي رفضا أمميا، حيث حذرت الأمم المتحدة الأربعاء، على لسان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، من أن تلك الخطوة “تزيدالانقسام وتفاقم الأزمة في السودان”.

 

والخميس، اتهم السودان الرئاسة الكينية بأنها تحتضن وتشجع مؤامرة تأسيس حكومة لقوات الدعم السريع، واستدعى سفيره لديهاكمال جبارة، مطالبا نيروبي بالتراجع عن “التوجه الخطير” الذي قد يؤدي إلى وقوع جرائم حرب.

 

ملامح الحكومة الموازية

وفي الوقت الذي عقدت فيه “الدعم السريع” اجتماعها في كينيا، فقد أكدت تقارير إخبارية ارتكاب عناصر قوات الدعم السريع مجازر بقتل 200 سوداني بينهم أطفال بولاية النيل الأبيض.

 

الحكومة المحتملة، تجمع قوات الحشد التي يرأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والمتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتسيطر على معظم “دارفور” غرب البلاد، ومساحات شاسعة من”كردفان”.

 

وذلك إلى جانب “الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال” بقيادة عبدالعزيز الحلو، الذي يسيطر على أراض واسعة ولديه قوات بولاية جنوب كردفان، ويطالب بأن يعتنق السودان العلمانية.

 

وكذلك، أحزاب “الأمة”، والاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وعضوا “مجلس السيادة السوداني سابقا، الهادي إدريس، والطاهر حجر”.

 

لكنّ إعلان ميثاق نيروبي وحكومة سودانية موازية بالعاصمة الكينية، يأتي في الوقت الذي يختفي فيه عن المشهد وبشكل مثير للجدل “حميدتي”.

 

كما أنه يتزامن مع تراجع مساحات سيطرة “الدعم السريع” لصالح الجيش السوداني، بولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربا لإقليم دارفور (5 ولايات)، ما دفع مراقبين إلى القول بوجود عوامل فشل تلك الخطوة.

 

لهذا سيفشل ميثاق نيروبي

وفي تقديره لإمكانية تنفيذ هكذا ميثاق،وفرص نجاح المجتمعين في نيروبي بإقامة حكومة موازية لحكومة الخرطوم، وفي المقابل، مدى تقبلها والقاهرة لهكذا وضع، وأوراقهما المتاحة، تحدث الصحفي والأكاديميالسوداني الدكتور عبدالمطلب مكي، لـ”عربي21″.

 

وقال: إن “مخرجات مؤتمر نيروبي، كانت ملتبسة حتى على منظميه أنفسهم، حيث تغيرت الأجندة لأكثر من مرة، وكان الهدفتشكيل حكومة منفى ثم تراجع إلى التوقيع على ميثاق سياسي مشترك، يجمع الدعم السريع وحركات منشقة مثل  (العدل والمساواة)و(الحركة الشعبية ) شمال بقيادة عبد العزيز الحلو”.

 

وأوضح أن “المشروع واجهته مشكلات عديدة أبرزها اندلاع الصراع بين الشركاء أنفسهم منذ اللحظة الأولى وقبل الدخول فيالتفاصيل، والقضايا الشائكة؛ وبالتالي فإن الميثاق الجديد والحكومة المرتقبة كنتاج له ستولد وهي تحمل في داخلها بذرة الفناء”.

 

ويرى مكي، أنها ستفشل لأسباب؛ أولها أن”أهداف عبدالعزيز الحلو، وقواعده في جبال النوبة مختلفة ومتعارضة كليا مع أهداف قوات الدعم السريع”.

 

كما أن “الحلو يواجه معارضة شرسة من أبناء النوبة تمنعه من الدخول بتوافقات مع قوات الدعم السريع، وقد تؤدي إلى الإطاحة به، لذلك نجده متحفظا في تعليقاته والتي ختمها بأنه يأمل في سلام يشمل حتىحكومة بورتسودان، ما يعني أنه لا يريد الارتباط باتفاق طويل الأجل مع الدعم السريع”.

 

ولفت أيضا إلى “تأجيل الاجتماععدة مرات لأن عبدالعزيز الحلو، أشار إلى أن القرار يجب أن يصدر من مجلس الحركة، وهو يريد بذلك عدم تحمل تبعات مشاركة قوات الدعم السريع في مشروعه بمفرده والادعاءبأنه ينفذ توجهات المجلس”.

 

كذلك يرى الأكاديمي السوداني، أن “قوات الحركة لن تقبل أن يرأسها قائد من قوات الدعم السريع، ولن تقبل مجموعةدقلو، برئاسة النوبة، وهو صراع في قمة الهرم وسيؤدي حتما إلى فشل المشروع”.

 

وبين أن “غياب محمد حمدان دقلو، المتكرر وفشل قوات الدعم السريع، في تبرير سبب غيابه أثار العديد من الشكوك حولمصداقية المشروع ككل”.

 

وألمح إلى أن “عبد الرحيم دقلو، برز كقائد وحيد لقوات الدعم السريع، والشخصية الأبرز في مجموعة التأسيس، وسيكونلذلك ارتدادات سالبة كثيرة لمعرفة الجنود بضعف قدراته كقائد سياسي”.

 

وأشار مكي، إلى أن “رفض أحزاب (تقدم)، المشاركة في الميثاق يجعل قوات الدعم السريع، بلا قدرات سياسية تنظيمية؛وقد ظهر ذلك جليا في الارتباك الشديد في التنظيم بعكس المؤتمرات التي قادها رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، فقد حققت أهدافها التنظيمية على الأقل بسلاسة”.

 

وقال: إن “الهزائم الميدانية للدعم السريع، والتقدم المستمر للجيش السوداني يجعل من مشروع قوات الدعم السريع مجردقفزة في الظلام”.

 

وأضاف: “كما أن جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع هرب منها السكان، ولا توجد بها مظاهر حكومة مايجعل فكرة إعلان حكومة من الداخل حلما بعيد المنال”.

 

وذهب إلى التأكيد أن “المجتمعين في نيروبي لم يعلنوا عن فلسفة واضحة، ومطالب عبدالعزيز الحلو، بالعلمانية، تزيدالشكوك في أهداف الميثاق برمته، خاصة وأن حكومة السلام لا يُعقل أن تكون متهمة ومدانة في حالات كثيرة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل”.

 

وختم رؤيته للأسباب المحتملة لفشل”ميثاق نيروبي”، مبينا أن “حلفاء الدعم السريع في الميثاق جميعهم منشقون عن تيارات أخرى، وسوف يصعب عليهم الرجوع إلى قواعدهم والتبشير بحكومتهمالجديدة”.

 

ماذا عن مصر؟

وقبل أن تسقبل كينيا مؤتمر الحشد السريع وشركائه لإقامة الحكومة الموازية في الخارج بنحو 3 أسابيع، كان رئيس النظامالانقلابى عبدالفتاح السيسي، والرئيس الكيني قد وقعا في القاهرة في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، اتفاقات تجارية بأكثر من نصف مليار دولار، وأخرى دفاعية وأمنية.

 

وطرح البعض التساؤل حول موقف القاهرة التي لم تطلق أية تصريحات رسمية عن ميثاق نيروبي، ولكن مصر التي تدعم جيش السودان،وحكومة الخرطوم دبلوماسيا وسياسيا كونها السلطة الرسمية المعترف بها دوليا، أكدت الخميس الماضي، وعلى لسان السيسي، على “ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضيالسودان، والحفاظ على مؤسساته الوطنية”.

 

ورغم دعم القاهرة، إلا أن الخرطوم تواصل البحث عن حلفاء لدعمها لمواصلة الحرب التي تقدمت فيها الأسابيع الأخيرة، وهوما بدا في إعلان السودان الأسبوع الماضي، تعزيز علاقاته مع إيران.

 

كما أنه بحسب مجلة “فورين بوليسي”، تسعى حكومة البرهان للحصول على مساعدات من روسيا، التي زودت فيالبداية قوات الدعم السريع بالأسلحة، ثم تعهدت بتقديم مزيد من الدعم العسكري للجيش السوداني مقابل بناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر قرب ميناء بورتسودان، المدينةالتي يتخذها البرهان، مقرا مؤقتا له.

 

مؤامرة على السودان ومصر

وعن قراءته لحديث البعض عن وجود مؤامرة لتقسيم السودان بدأت تتكشف على الأرض، والذي يجب على القاهرة فعله إلى جانبالخرطوم لإنهاء الأزمة واستعادة وحدة التراب السوداني، قال الصحفي السوداني: “بالطبع تحرك نيروبي يشير إلى أن المؤامرة تكشفت وصار لها أرجل وأيدي ولسانتتحدث به”.

 

وأكد أن “الهدف هو السيطرة على القرار السياسي لمصلحة تحالف يضم إثيوبيا، وكينيا، وتشاد، وجنوب السودان. وظهور كينيا، فيهذه المرحلة مقصود به عدم إثارة الشكوك في المشروع كما لو تبنته إثيوبيا أو تشاد أو جنوب السودان”.

 

ويعتقد مكي، أن “المعركة ضد مصربالدرجة الأولى، وأعتقد أن الدبلوماسية المصرية تدرك ذلك، لكن ربما يكون لها حسابات خاصة تحكم ردود أفعالها في المرحلة المقبلة”.

 

وختم بالقول: “وقناعتي أن المشروع لن ينجح في ظل الاستقطاب الحاد الجاري، لكن مصر مطالبة أيضا بالوقوف المباشر إلى جانب السودان دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، وحتى بتقديم العون العسكري غير المباشروإلا سيأتي وقت يكون فيه واقع الحال قد تجاوز إمكانية المعالجة”.

 

الحشد لن يقدر

وفي رؤيته لمدى خطورة ذلك الوضع على مصالح مصر وخاصة المائية منها، وهو احتمال طلب الدولة الناشئة إن تمت تقسيم مياهالنيل، والذي يجب على القاهرة فعله حيال الأزمة الجديدة المحتملة على حدود مصر الجنوبية، يرى وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام، أن الحشد السريع غيرقادر على تنفيذ ما قيل.

 

وقال: إن “القصة بأكملها تعتمد علىقوة الحشد السريع، والتي أراها منهزمة في كل الجبهات”، مؤكدا أن “ما على مصر هو ما يتم فعله الآن، وأنه كاف”.

 

مصالح مصر من سلامة السودان

وفي رؤيته لكيفية استقبال حكومةالقاهرة للتطورات الجارية على حدود مصر الجنوبية وخطورتها على أمنها القومي، تحدث مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق الدكتور عبدالله الأشعل، في تصريحات صحفية .

 

وقال: إن “البعض يرى أن مصر تحولت في السنوات العشر الماضية إلى أداة لخلق مشاكل عربية، ويرى مراقبون أن لها دخلا فيأزمات ليبيا، وسوريا، وفلسطين، وحتى جارتها الجنوبية السودان”.

وأكد أن “فكرة الأمن القومي تُترجم بطريقة أخرى، فالأمن القومي إذا صادف مصالح كرسي الحكم فهنا تتحقق عندهم مخاوف الأمن القومي، أما إذا لم يصادف مصالح الكرسي فلن يمثل لهم أمنا قوميا”.

وشدد على أن “مصالح مصر تقتضي سلامة السودان، وسلامة ليبيا، وسلامة فلسطين، وعلاقة حسنة مع الغرب وأوروبا خاصةعلى اعتبار أنها دول شمال البحر المتوسط”.

ولفت إلى أن “وجود أي كيان مثل هذا يزيد المخاطر حول مصالح مصر المائية”، مشيرا إلى أن “مخاوف البعض مناحتمال طلبها المشاركة في حصة مصر من المياه، واردة”.

واستدرك بقوله: “لكن العديد من السياسيين يرون أن حكومة مصر تواطأت مع إثيوبيا، في ملف مياه النيل والسدالإثيوبي، وآخر ما قيل من شائعات هو بيع المياه للشعب المصري”.

وأضاف: “رغم أنني لا أقطع بهذا الأمر لأنه ليس لدي معلومة مؤكدة، ولا أسير خلف الشائعات فإن سلوك الحكومة المصرية تجاه المواطن المصري يقطع بهذا الأمر”.

وحول ما يثار عن دعم الإمارات لميثاق نيروبي ولتلك الدولة المحتملة وأن ذلك يأتي ضمن خطة مرسومة بهدف مرسوم، قال إن”ما تعيشه المنطقة العربية من أزمات هي جميعها تأتي وفق تماه تام بين  إسرائيل وأمريكا والحكام العرب جميعا ما عدا الجزائر وفق ظني”.

وأضاف: “كلهم يسيرون بتعليمات أمريكية وإسرائيلية وهي التعليمات التي لن يُكتب لها البقاء إلا بتقسيم مصر،وتقسيم مصر يسير على قدم وساق، من قبل السودان”.

وختم بالقول: “المهم هو وعي الشعب المصري والذي أعول عليه كثيرا، وأنه يجب رفع وعيه فكريا وثقافيا لأن الوعي هو ماسيحبط هذه المخططات”.