قلّل خبراء اقتصاد من أهمية لجوء حكومة الانقلاب إلى تشكيل لجنة لإدارة ملف الدين الخارجي، الذي بلغ نحو 153 مليار دولار نهاية يونيو الماضي، وسط توقعات بارتفاع هذا الدين خلال الفترة المقبلة.
وأكد الخبراء أن نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي مطالب بسداد 39.1 مليار دولار التزامات خارجية خلال الفترة من أغسطس 2024 وحتى يوليو 2025، بزيادة قدرها 4.3% مقارنة بالفترة من يونيو 2024 إلى مايو 2025.
وكشفوا أن الدين الخارجي في عهد الانقلاب تجاوز مستويات قياسية، مما أدى إلى تزايد المخاوف بشأن الاستدامة المالية وقدرة حكومة الانقلاب على سداد هذه الالتزامات، مشددين على ضرورة وجود استراتيجيات فعّالة لإدارة الدين وتنظيم الاقتراض الخارجي، وتعزيز الشفافية وتطبيق معايير الاستدامة المالية.
وقد قررت حكومة الانقلاب تشكيل لجنة لإدارة ملف الدين الخارجي وتنظيم الاقتراض الخارجي، برئاسة مصطفى مدبولي، رئيس وزراء الانقلاب، وزعمت أن اللجنة تهدف إلى وضع حد أقصى للاقتراض سنويًا بِناءً على معايير الاستدامة المالية.
يُشار إلى أن إجمالي الدين الخارجي تضاعف أربع مرات منذ عام 2015، نتيجة إهدار الأموال في مشروعات غير مجدية مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والبنية التحتية، وشراء الأسلحة، مما أجبر حكومة الانقلاب على إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار تُصرف دفعاته نصف سنويًا حتى سبتمبر 2026.
مسؤوليات كبيرة
وفقًا لمشروع قرار تشكيل لجنة إدارة ملف الدين الخارجي، حمّلت حكومة الانقلاب اللجنة مسؤوليات كبيرة تتعلق بإدارة جوانب الدين الخارجي كافة، من أبرزها:
وضع شروط وأولويات ومعايير للمشروعات التي سيتم تمويلها، مع المتابعات الدورية مع المؤسسات التمويلية الأجنبية، بهدف أن تتجاوز حكومة الانقلاب الحد الأقصى للدين الخارجي فقط في الحالات القصوى لتلبية احتياجات استراتيجية، بعد موافقة مجلس وزراء الانقلاب.
تختص اللجنة بمناقشة بدائل سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية من المصادر الخارجية وتحديد حجم الاقتراض الخارجي المطلوب من المصادر التمويلية المختلفة، بما لا يتجاوز الحد الأقصى للاقتراض الخارجي (سقف الدين).
يشترط للتعاقد مع شركات أجنبية أو محلية لتنفيذ المشروعات التي تحتاج إلى مكون أجنبي الحصول على موافقة اللجنة، مع ضرورة وجود دراسة جدوى تنموية مكتملة للمشروع وبيان قدرة الجهة على سداد القرض.
يقتصر الاقتراض الخارجي بالنسبة للمشروعات على تمويل المكون الأجنبي غير المتوافر محليًا لهذه المشروعات.
مشكلة مزمنة
من جانبه، قلّل الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي من احتمالية نجاح تلك اللجنة في تحجيم الدين الخارجي لمصر، مؤكدًا أن مشكلة الدين أصبحت مزمنة منذ انقلاب الثالث من يوليو على أول رئيس مصري مدني منتخب، الشهيد محمد مرسي، حيث غابت عن مصر الحوكمة الرقابية في عملية الاقتراض والتمويل.
وقال الصاوي في تصريحات صحفية إن نظام الانقلاب ورّط مصر في مشاريع بمليارات الدولارات، وإن المشروعات التي تم الاقتراض لها كان يمكن الاستغناء عنها حاليًا؛ كمشروع العاصمة الإدارية ومشروع توسعة قناة السويس، وتلك المشاريع أثرت على الأزمة التمويلية في مصر وكذلك على سعر الصرف.
وأشار إلى أن اللجنة مخولة بالموافقة على تلك المشروعات، وأن أحد أسباب عدم تحجيم الدين الخارجي هو وجود فجوة تمويلية بين الصادرات، التي تقترب من 35 مليار دولار، والواردات التي تقترب من 75 مليار دولار، بقرابة 30 مليار دولار، فضلًا عن فجوة تمويلية أخرى تخص الموازنة العامة التي لا تؤدي إلى جديد يُذكر.
وأضاف الصاوي أن التعويل على تشكيل لجنة لتحجيم الديون لن يجدي نفعًا؛ إذ إن مصر في زمن الانقلاب لا تُدار بمؤسسية أو بلجان، وإنما نظام الحكم قائم على رأي رجل واحد، مؤكدًا أن الخبراء الذين استعانت بهم حكومة الانقلاب خلال السنوات الماضية، بمن فيهم الأعضاء في اللجنة، يعلمون تمامًا حجم الورطة التي يمر بها الاقتصاد المصري.
وأكد أن لجنة إدارة الدين الخارجي والاقتراض قد تنجح في تحجيم الدين الخارجي في حالة واحدة، وهي إذا انتهجت نهج المخلوع حسني مبارك بعد برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي مطلع التسعينيات، حيث توقف عن الدين الخارجي وتوسع بشكل كبير في الدين الداخلي، مما أدى إلى قفزه من 100 مليار جنيه مطلع الثمانينيات إلى 1.1 تريليون جنيه وقت مغادرة مبارك للحكم.
أمر مقلق
وأعرب الخبير الاقتصادي هاني توفيق عن قلقه من ارتفاع وتيرة الدين الخارجي لمصر في الفترة الأخيرة، مؤكدًا أن ارتفاع حجم القروض الخارجية خلال السنوات الخمس الماضية “أمر مقلق”، خاصةً فيما يتعلق بمواعيد سداد القروض، إضافةً إلى الفوائد التي تلقي عبئًا ثقيلًا على الموازنة العامة.
وطالب توفيق في تصريحات صحفية حكومة الانقلاب بضرورة الكشف عن جداول ومواعيد ومصادر سداد القروض حتى يطمئن المصريون، محذرًا من ما يُعرف بفقاعة الديون والعوامل التي تؤدي إلى وجودها وتفاقمها.
وقال توفيق إن فقاعة الديون تنشأ من الديون الخارجية نتيجة الفجوة بين المدخرات والاستثمارات اللازمة للتشغيل والإنتاج والتصدير، وأكد أنه إذا وُجّهت القروض إلى مشروعات بلا عائد بدلًا من الاستثمار، فستتفاقم الفقاعة أكثر.
الحدود الآمنة
في المقابل، قلّل الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى أبو زيد من تخوف البعض من الديون الخارجية، مشيرًا إلى أن الدين الخارجي “لا يزال في الحدود الآمنة” وفقًا للمعايير الدولية للناتج المحلي الإجمالي.
وأشار أبو زيد في تصريحات صحفية إلى أن قيمة الديون قصيرة الأجل لا تتعدى حدود 13 مليار دولار من إجمالي الدين، بينما تتخطى الديون طويلة الأجل حدود 133 مليار دولار، موضحًا أن هذا المؤشر جيد ولا خوف منه على الإطلاق.
وأرجع ارتفاع الديون الخارجية منذ عام 2012 إلى توسع الدولة في الإنفاق على المشروعات غير الضرورية، خصوصًا في البناء والتشييد، مشيرًا إلى أن حكومة الانقلاب أنفقت ستة تريليونات جنيه (325 مليار دولار) على المشروعات القومية في آخر ست سنوات.