ضمن سياسات العسكرة وابتلاع العسكر لاقتصاد مصر، دون أي مناسبة أو أساس قانوني، وضمن سياسات البلطجة التي يمارسها العسكر في عموم مصر، قرّر جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع (الجيش) رفع نسبة العمولة التي يتقاضاها من الشركات العاملة معه من الباطن، مقابل تنفيذها مشروعات المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” لتطوير قرى الريف الخاضعة لإشرافه، من 30% إلى 35% للتعاقدات الجديدة، ابتداءً من 1 أكتوبر الحالي.
وأخطرت الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، شركات المقاولات والتوريدات المتعاقدة معها لتنفيذ مشروعات المبادرة بزيادة عمولتها بنسبة 5%، وهو ما يؤثر بالسلب على أرباح الشركات بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء.
وكان السيسي قد أكد في لقاء مع خريجي الأكاديمية العسكرية، مساء الاثنين، أن تكلفة المرحلة الأولى من مشروعات مبادرة “حياة كريمة” ارتفعت من 200 مليار جنيه إلى 400 مليار، دون إيضاح الأسباب، مضيفًا أن المبادرة مقسمة على ثلاث مراحل؛ كل مرحلة منها تشمل 1500 قرية تقريبًا، ما يرفع التكلفة الإجمالية للمبادرة إلى ما يزيد على 1.2 تريليون جنيه.
ووفق شهادات مقاولين، فإن الجيش هو المسؤول عن تحديد الشركات المنفذة لكل مشروع في مبادرة “حياة كريمة”، والاتفاق على التكلفة الإجمالية للمشروع مقابل الحصول على نسبة محددة سلفًا من إجمالي المبلغ؛ أي أن أجهزة القوات المسلحة استحوذت على نحو 120 مليار جنيه (نحو 2.5 مليار دولار) من أصل 400 مليار خصصتها الحكومة للمبادرة من أموال الموازنة العامة، تعادل نسبة 30% التي يحصل عليها جهاز الخدمة الوطنية دون أعباء أو مصاريف، وقد زادت مؤخراً إلى نسبة 35%، والغريب أن تلك النسبة تؤخذ دون بذل أي مجهود سوى الإشراف الورقي فقط، حيث تُسند المشاريع لمقاولين من الباطن، مقابل خصم نحو ثلث التكلفة التي تدخل في حسابات الضباط والقادة، دون أن تستفيد منها موازنة الدولة.
وأطلق السيسي مبادرة “حياة كريمة” لتطوير الريف في عام 2019، بهدف تنفيذ مشروعات في مجال البنية التحتية لـ 4600 قرية على مستوى الجمهورية، يقطن بها نحو 60 مليون شخص، في بلد يزيد عدد سكانه حاليًا على 106 ملايين نسمة.
وسبق أن وجّه السيسي القوات المسلحة بتخصيص ضابط مسؤول عن كل قرية مستهدف تطويرها ضمن مبادرة “حياة كريمة”، قائلاً خلال تفقده بعض المعدات المشاركة في المبادرة، في يونيو 2021: “بقول للجيش، هل ممكن يبقى لنا ضابط متواجد مسؤول عن كل قرية، ويتابع مسألة طلاء المنازل، ويصورها عشان نفرج الدنيا كلها، وبقول لرئيس الوزراء، أوعى تزعل عشان هنعمل كده، لأن المصلحة واحدة.”
واستثنت قرارات ترشيد الإنفاق الحكومية، التي أصدرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في يناير 2023، جميع المشاريع التي يشرف عليها الجيش المصري وأجهزته، أو يتولى تنفيذها لصالح الدولة، على غرار مشروعات الطرق والجسور الجديدة، وتحلية وتنقية ومعالجة المياه، ومبادرة “حياة كريمة” لتطوير الريف، من جميع الأحكام الواردة فيها، وكذلك وزارة الداخلية، وكل الجهات التابعة لها.
وعسكرة الاقتصاد والمشاريع تحرم موازنة الدولة من إيراداتها الضريبية والرسوم التي يُعفى منها الجيش، كما تتسبب في هروب الشركات المدنية التي تجد نفسها مجبرة على تحمل خسارة 35% من المخصصات المالية للمشاريع لصالح الضباط. وهذا ما يفاقم خسائر تلك الشركات، التي تعوّضها بتقليل جودة تنفيذ المشاريع، معتمدين على تمرير الضباط لأية مخالفات في التنفيذ.