أزمة الدولار تتصاعد بصورة يومية، حيث تجاوز سعر الدولار نحو 52 جنيها في السوق السوداء، وبذلك يضيق الخناق على نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي لم يعد أمامه مفر من إعلان إفلاس البلاد وعجزها عن سداد أقساط وفوائد الديون، بسبب تراجع الإنتاج في كافة المجالات وتراجع العائد الدولاري بسبب تراجع الصادرات .
حكومة الانقلاب تلجأ إلى حلول قد تزيد من الأزمة أو حلول هامشية لا تقدم شيئا، وهذا يكشف غباء الفريق الاقتصادي الذي يعتمد عليه نظام الانقلاب.
كانت حكومة الانقلاب مع زيادة الضغط على الدولار قد أعلنت عن دارسة حلول بديلة أبرزها تنفيذ نظام المقايضة مع روسيا وتركيا وبعض الدول الإفريقية، وآخرهم السعودية.
ويعد نظام المقايضة التجارية، عملية تبادل بين طرفين، يقدم أحدهما للآخر سلعة أو خدمة أو أصلا غير النقود، مقابل سلعة أو خدمة أو أصل غير النقود.
ويأتي دارسة تطبيق المقايضة في الوقت الذي تعاني فيه دولة العسكر من نقص شديد في السيولة الدولارية، حيث انخفضت قيمة الجنيه منذ مارس 2022 حتى الآن بنسبة 100% في البنوك و150% في السوق السوداء.
وخلال الفترة الحالية، يدرس البنك المركزي تطبيق نظام المقايضة مع روسيا وتركيا وبعض دول إفريقيا، لا سيما أن تلك الدول تمثل أكبر شركاء تجاريين مع مصر، حيث تصل قيمة التبادل التجاري بين مصر وروسيا إلى 6 مليارات دولار ونحو 8 مليارات دولار مع تركيا.
احتياجات الأسواق
من جانبه اتهم الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب وكيل وزارة التجارة والصناعة الأسبق حكومة الانقلاب بالجهل، موضحا أن مشكلتنا في التصريحات أنها لا تستخدم اللغة الاقتصادية المضبوطة، وهذا يجعل أغلب هذه التصريحات عرضة للتأويلات.
وقال عبدالمطلب في تصريحات صحفية: إن “ما تتحدث عن حكومة الانقلاب يسمى صفقات متكافئة وليس نظام مقايضة، مشيرا إلى أن الحديث الذي يدور حاليا سواء مع مجموعة دول بريكس أو بعض الدول الأفريقية، ومنها كينيا ليس مسألة مقايضة، ولكنه نظام مهم في التجارة الخارجية كانت تنتهجه دول لتقليل اعتمادها على الدولار أو زيادة حجم المبادلات التجارية بينها وبين الشركاء التجاريين، وهو نظام الصفقات المتكافئة”.
وأشار إلى أن تلك الصفقات تقوم على دراسة السوق، وتقدير أن دولة تحتاج إلى سلعة معينة من أسواق معينة، وتقوم بدراسة حالة هذه الأسواق، وتبدأ في البحث عن السلع المراد استيرادها، وما يمكن أن تقدمه هي من بدائل مثل ما كان يحدث بين مصر وروسيا خلال حقبة الاتحاد السوفيتي، حيث كنا نستورد الآلات والمعدات والأسلحة، ونصدر لموسكو المنسوجات.
وأضاف عبدالمطلب، هذا لا نقول عليه نظام مقايضة، لكن كان الأمر قائما على النظر أو دراسة احتياجات الأسواق، وما يمكن أن تقدمه هذه الدول من بدائل الشريك التجاري في مقابل الحصول على سلع منها، لافتا إلى مثال حالة التعامل التجاري المصري الكيني، حيث نستورد منهم الشاي، وفي المقابل نقدم لهم مجموعة من السلع مثل المنسوجات والأدوية والمواد الكيماوية، وكلها أشياء تنتجها مصر وتحتاجها كينيا.
وأوضح أن نجاح الفكرة يستلزم أن يكون هناك تباين بين هيكل التجارة الدولية بين الاقتصادين اللذين ينويان أن يكون بينهما صفقات متكافئة، لافتا إلى أن مشكلة مصر مع محيطها الأفريقي أن أغلب دول القارة يغلب على صادراتها أو هيكل التجارة الخارجية بها المواد الأولية والمواد الخام، ما يعني أن مصر تصدر خضروات وفاكهة وبعض المحاصيل، وهو حال أغلب دول أفريقيا .
الصين وتركيا
وقال عبدالمطلب : “يمكن لتجربة الصفقات المتكافئة أن تنجح مع الصين ، فقد تحتاج مصر إلى سلع كالخامات ومستلزمات الإنتاج وخامات معينة مثل البيليت في صناعة الحديد مقابل أن تصدر لبكين الخضروات والفاكهة، معربا عن اعتقاده أن المسألة مع تركيا ربما تكون واضحة بشكل أكبر خاصة أن أنقرة تحتل مرتبة متقدمة في سلم التجارة الدولية ، حيث تعد ثالث دولة من حيث التصدير إلى مصر “.
وأكد أن نظام السلع المتكافئة بين مصر وتركيا يمكن أن يحل مشكلات كثيرة للدولتين، فيمكن لمصر تصدير الغاز والبترول ومشتقاته، وبعض السلع المصنعة، والخضروات والفاكهة، وتستورد من أنقرة حديد التسليح، والملابس الجاهزة، وقطع غيار السيارات، والأدوات والمعدات، والسيارات موضحا أن الدولتين لديهما مشاكل مع توفير الدولار، وزيادة معدلات التضخم، ومن مصلحتهما تقليل الاعتماد على الدولار في معاملاتهم التجارية، وهذا قد يجعل من فرص صفقات التبادل التجاري بينهما بعيدا عن الدولار يحقق الأهداف المطلوبة، حيث حجم التبادل التجاري بين البلدين من 3 إلى 4 مليارات دولار .
وكشف عبدالمطلب عن معوقات تحول دون نجاح هذا النظام، منها أنه يتم في إطار الصفقات الحكومية أو الصفقات بين الدول، يعني بالحديث عن مصر وتركيا فنعني الواردات الحكومية أو الواردات بضمان الحكومتين، ونفس الشيء لو تحدثنا عن واردات الشاي فهو حديث مع الحكومة الكينية .
وأوضح أنه رغم أن حجم واردات أو صادرات الحكومات أكثر، ولكن هناك جزء مهم يقوم به القطاع الخاص ومن الصعب أن تكون هناك قناعة لدى القطاع الخاص أو الشركات الكبرى في مصر أو تركيا وغيرها بأن يتم انتهاج نظام الصفقات المتكافئة، مشيرا إلى أن المشكلة تتمثل في أن بعض رجال الأعمال والشركات متخصصة في التصدير فقط، يعني أن لديها سلعا معينة تقوم بتصديرها لكل دول العالم، وهناك أيضا قطاع خاص وشركات متخصصة في الاستيراد فقط .
وأكد عبدالمطلب أنه يصعب مع هذا الوضع الدخول في نظام الصفقات المتكافئة، كما أن استغناء بعض الشركات عن عمولات دولية مقبولة الدفع سيكون صعبا، واستغناؤها عن الدولار صعب.
صفقات منعزلة
وأكد الدكتور حسام الشاذلي رئيس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا أن نظام الانقلاب استنفد كل أدوات توفير السيولة والعملة الصعبة، وهو الآن في مرحلة الرضا بالموجود .
وحذر الشاذلي في تصريحات صحفية من أن محاولة اعتماد نظام المقايضة على مستوى الدولة يعزل المنظومة الاقتصادية عن المجتمع الدولي، ويربطها بمنظومات تعاني هي الأخرى من نقص السيولة، أو ترتبط بنوعية مميزة من السلع ذات الطابع الاستهلاكي البحت، والتي في غالبها تكون متوسطة أو سيئة الجودة بمعايير السوق العالمية .
وقال: إن “السلع عالية الجودة تجذب العملة الصعبة دائما، وتضمن ميزة نوعية للدول المنتجة لها؛ وتوفر ميزة تنافسية مشروطة على الشركاء التجاريين، مؤكدا أن نظام المقايضة لن يساعد في توفير السيولة أو العملة بأي صورة، لأن النظام يتم بعيدا عن سوق العملة تماما “.
وشدد الشاذلي على أن الحالة الكارثية للاقتصاد المصري خاصة فيما يتعلق بتوفير العملة الصعبة لا تمنح نظام الانقلاب فرصة للاختيار؛ بل تفرض عليه اختيارات محدودة بحسب حالة العرض والطلب بالسوق الدولي، موضحا أنه غالبا ما يضطر نظام المقايضة للقبول بسلع الشريك والتي تتم عملية المقايضة فيها بناء على معايير سياسية وتجارية مقيدة تختلف عن منظومة السوق العالمي، وغالبا ما تتم في صورة صفقات منعزلة لتغطية الاحتياجات الأساسية.
الجودة والسعر
وأشار إلى أن ذلك النوع من المقايضة يمكن تحقيقه بين مصر وروسيا، حيث تحصل مصر على الحبوب والأخشاب والحديد والوقود المعدني، مقابل الخضروات، والفاكهة، والأجهزة الكهربائية، ومنتجات الألبان والزيوت العطرية؛ ويسمح حجم التبادل التجاري بين البلدين والذي يتراوح بين 5 و6 مليارات دولار بإتمام صفقات ضخمة بجانب صفقات مع الهند، بأرقام متقاربة من المقايضة الروسية؛ كما أن كينيا ستكون شريكا لمقايضة الشاي كذلك.
وحذر الشاذلي من أنه سيكون لهذا النظام المحدود الاختيارات، والمركز في شريحة معينة من الشركاء تأثير مباشر على الجودة والسعر في السوق المصرية بصورة سلبية، مؤكدا أن التأثير السلبي قد يمتد إلى المصانع والشركات المصرية، إذا ما تم إغراق الأسواق المصرية بسلعة معينة، حيث لا يعتمد نظام المقايضة تفعيل السياسة والقوانين المضادة للإغراق وهنا نظام الانقلاب بات يفتقر إلي أي اختيارات أو أدوات اقتصادية متقدمة، ويبدو أنه يأخذ مصر لعصر جديد من شح المنتجات، وتدني الجودة، وانخفاض معدل جودة الحياة لأدنى مستوى .
وأوضح أنه بسبب فشل نظام الانقلاب في بناء أو تطوير أي منظومة إنتاجية أو تكنولوجية حديثة، سوف نرى الكثير من تلك المقايضات السيئة والمفروضة بحكم الظروف والملابسات السياسية والاقتصادية، مؤكدا أنه لا سبيل لمصر للخروج من أزمتها الاقتصادية، ومن كارثة السيولة والعملة الصعبة؛ إلا بحل سياسي يضمن تغييرا كليا وشاملا في المنظومة الاقتصادية، ويعيد ثقة الشركاء الدوليين، ويحسن التصنيف الائتماني، ويمنح مصر قبلة الحياة لمرحلة أفضل .
إطار قانوني
وقال المهندس شريف الجبلي، رئيس الشئون الإفريقية في اتحاد الصناعات المصرية: إن “مصر استخدمت نظام المقايضة بنظام الصفقات المتكافئة في عهد الاتحاد السوفيتي، لافتا إلى أن مصر كانت تصدر الموالح وتحصل على المعدات والآلات، في محاولة لتخفيف الضغط على العملة الأجنبية”.
وأضاف «الجبلي» في تصريحات صحفية ، أن المقايضة بدأت تعود بين التجار حول العالم في الوقت الحالي دون تدخل الحكومات كما حدث في السابق؛ نظرا لأن العمل بهذا النظام على مستوى الحكومات يحتاج إلى آلية وإطار قانوني عن طريق عدة جهات مع جهات أخرى في البلد المناظر.
وأوضح أن بعض الدول لا توافق على هذا النظام؛ نظرا لحاجتها للعملة الصعبة، لكن مسألة استخدام نظام المقايضة قيد الدراسة خصوصا مع وجود القطاع الخاص في السوق، والذي يجعل الأمر مختلفًا لحد كبير عما سبق.
ولفت «الجبلي» إلى أن مجموعة «البريكس» تفكر في مسألة نظام المقايضة وتبادل السلع بدلا من الاستيراد بالعملة الأجنبية، وهذا الأمر يتم دراسته خصوصا فيما يتعلق بالسلع ذات الفاتورة الاستيرادية الكبيرة.
وأكد أن عودة نظام المقايضة يتعلق كذلك بتقييم البنوك المركزية في البلدين للعملات وقيمة السلع ليتم تبادلها بعد ذلك، مشيرا إلى أن هذا النظام سيكون ناجحا في القارة الإفريقية بالتحديد نتيجة مشاكل العملات المشتركة في القارة.