أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان مسئولية سلطات النظام الانقلابي في مصر بشكل مباشر عن توفير الرعاية الصحية والطبية اللازمة للسجناء والمعتقلين السياسيين.
وأضافت في تقرير صادر عنها مؤخرا بعنوان " الإعدام الطبي بممارسات لا إنسانية ، جهاد عبد الغني نموذجا" أنه يتعين أن تضمن أجهزة الدولة المختلفة تقديم هذة الرعاية بالشكل المناسب الذي يتماشى مع سلامة وأمن السجناء والمعتقلين، كما أن النيابة العامة مسؤولة عن التحقيق في الشكاوى والاستغاثات التي يرسلها السجناء المرضى، ويجب عليها كشف أي تقصير متعمد من قبل إدارات السجون، والتحقيق المباشر في ملابسات منع تقديم الرعاية الطبية اللازمة في التوقيت المناسب والمكان المناسب ، وأي تقصير أو إهمال يجب أن يتم التعامل معه بحزم.
وخلصت إلى أنها بعد رصدها وتوثيقها لوفاة المعتقل السياسي جهاد عبد الغني، وما مر به من مراحل مؤلمة حتى وفاته، تؤكد سعيها المستمر لدعم المعتقلين، واستمرار تعاونها المباشر مع غيرها من المنظمات الحقوقية والقوى الوطنية، من أجل ضمان حصول السجناء المرضى وكبار السن على حقهم في الرعاية الطبية والصحية.
وذكرت أن وفاة المعتقل الشاب جهاد عبد الغني سليم بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان داخل محبسه، مثلت حالة من الصدمة، بسبب الممارسات اللا إنسانية و التجاهل الذي قابلت به سلطات الانقلاب حالته، والإهدار المتعمد لحقوقه كسجين، وضرب مواد الدستور والقانون واللائحة الداخلية للسجون والأعراف والمبادئ الإنسانية في مقتل، فضلا عن تنحية المعاهدات الدولية التي أقرتها مصر ووقعت عليها جانبا، لتصبح هي والعدم سواء ، حيث يرتقي ما قامت به السلطات الأمنية من ممارسات جريمة تصل إلى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار .
المعاهدات والاتفاقات تنص على توفير الرعاية الصحية
وأشار التقرير إلى أنه في عام 1955، وضعت الأمم المتحدة في قواعدها النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء معايير وأسس محددة كحد أدنى على جميع الدول أن تلتزم بها، وهذة المعايير والأسس تتضمن توفير الرعاية الصحية للسجناء أثناء فترة حبسهم؛ فالسجناء مسلوبي الحرية لهم حقوق مصونة، منحتها لهم المعاهدات الدولية ومن قبلها المبادئ الإنسانية، ولهم حق الرعاية الصحية الكاملة.
أيضا للسجناء الحق بكل تأكيد في اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية في حمايتهم وألا تصيبهم أمراض داخل السجن؛ وبالتالي فإن حق الرعاية الصحية، والكشف الصحي الدوري واجب لتجنب إصابتهم بالأمراض، وخاصة الأورام الخطيرة كالسرطان، وغيرها، مما قد يؤدي إلى الوفاة أو العجز -لا سمح الله-.
كما ذكر التقرير أن بعض مواد العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد نصت على أن السجناء لهم حق في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، كما جاء في بعض مواد القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة بقواعد مانديلا، كما نصت المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن "يخضع الأسرى والمعتقلون لنظام غذائي وصحي يكفل المحافظة على صحتهم، ويناظر على الأقل النظام المتبع في سجون البلد المحتل، وتقدم لهم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية" وكذلك أكدت المادة 85 من الاتفاقية ذاتها على "ضرورة أن تتخذ الدولة الحاجزة جميع التدابير اللازمة والممكنة لضمان إيواء الأشخاص المحميين، منذ بدء اعتقالهم في مبانٍ تتوفر فيها الشروط الصحية وضمانات السلامة، ويجب أن تكون المباني محمية تماما من الرطوبة، وكافية التدفئة والإضاءة، وأن تكون أماكن النوم كافية الاتساع والتهوية".
وتساءلت الشبكة في تقريرها هل تلتزم مصر -بصفتها دولة موقعة على كثير من المعاهدات والمواثيق الدولية- بأدنى معايير الأمان والسلامة التي وردت في تلك المعاهدات، وتعمل على رعاية السجناء كما يجب؟
أماكن الاحتجاز كارثية
وأوضحت أن المتابع الجيد للملف الحقوقي المصري وخاصة الجانب الطبي في السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة، يدرك أن حجم المعاناة، التي تبدأ من عدم وجود أماكن احتجاز آدمية، من حيث السلامة والأمان، تفتقر إلى المعايير الدنيا، مع تدني الرعاية الطبية والصحية إلى أدنى مستوى، حيث لا يوجد رعاية صحية تذكر، خاصة في أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة، وغيرها من أماكن الاحتجاز الأخرى، التي تدلل على كارثية هذا الملف.
الإعدام عبر الإهمال الطبي
وبينت أن وفاة المعتقل جهاد عبد الغني سليم، 33 عاما، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في ديسمبر الماضي داخل المركز الطبي بمركز بدر للإصلاح والتأهيل بعد معاناته من سرطان الفك والفم، يعد نموذجا صارخا للاعدام الطبي بإجراءات لا إنسانية و للتنكيل الطبي بالمعتقلين داخل السجون ومقار الاحتجاز، والذي يصل درجة القتل البطيء.
وتابعت في تقريرها أن "جهاد" أصيب بمرض السرطان أثناء فترة حبسه بسجن الزقازيق العمومي، ومنع من تلقي العلاج والدواء المناسب، وتجاهلت إدارة سجن الزقازيق، ومن بعدها إدارة سجن ليمان أبو زعبل 2 رغم، المناشدات والاستغاثات الكثيرة التي قدمها محاميه وأسرته، مما يشير بوضوح إلى كارثية الملف الصحي للسجناء والمعتقلين، نظرا لعدم وجود قانون أو نص دستوري أو إنساني يمنع من تقديم الرعاية الصحية للمريض، وخاصة إذا كان هذا المريض مسجونا مسلوب الحرية.
5 وفيات بسجن "بدر"
وأكد التقرير أن المتابع لحالة "جهاد" وما يحدث من انتهاكات صحية داخل السجون المصرية بحق المعتقلين، يرصد كارثة محققة، لعدم وجود الكشف الدوري للسجناء، وكذلك تدني مستوى الخدمات الطبية التي تقدم في معظم المستشفيات الموجود بالسجون، ورغم وجود بعض المراكز الطبية الجديدة؛ كالمركز الطبي بمركز بدر للإصلاح والتأهيل، إلا أن الشبكة المصرية وثقت فقدان 5 معتقلين لحياتهم منذ افتتاح السجن منتصف عام 2022، كان آخرهم جهاد عبد الغني.
مئات الوفيات لا يتم رصدها
أيضا أكدت أن التأخر المتعمد في تقديم العلاج والدواء والرعاية الصحية في التوقيت والمكان المناسب لجهاد، وغيره من المعتقلين والسجناء السياسيين -خاصة كبار السن والمرضى- أدى إلى تدهور حالتهم الصحية ووقوع مئات الوفيات بين المعتقلين، وبلا شك فإن الشبكة غير قادرة على رصد كل ما يجري من انتهاكات ، وخاصة فيما يتعلق بملف الرعاية الصحية للمعتقلين. السياسيين والسجناء الجنائيين، وبذلك فإن هناك مئات الوفيات التي تحدث بشكل دوري ولا يتم رصدها وتوثيقها بالشكل السليم لبيان ملابساتها.