قالت ورقة بحثية بعنوان "القمة الإفريقية الأوروبية ، قراءة في المُخرجات والنتائج" إن "القمة الإفريقية الأوروبية السادسة بروكسيل – 17 و18 فبراير 2022 ، تأتي في مرحلة يشهد النظام العالمي فيها تحولات جذرية لا سبيل إلى مواجهتها سوى بالتعاون والتكامل بين الدول والمنظمات، بل والشعوب أيضا.
وأضافت أن القمة ـ تهدف في ضوء ما تزامن معها من فعاليات الحرب الدائرة الآن بين المحورين الشرقي والغربي ـ صراع محموم على الموارد والممرات الجيوستراتيجية حول العالم، والتي تدور جُلَّ أحداثها على الساحة الإفريقية".
وأوضحت أن "أحداث ذلك الصراع بشكل رئيسي بين الغرب متمثلا في الولايات المتحدة، والقوى الاستعمارية الأوروبية من جهة، وبين الصين ذلك المارد المتنامي المتوغل في إفريقيا، وروسيا العائدة إلى الساحة الإفريقية من جديد من جهة ثانية، فضلا عن القوى الإقليمية كإيران وتركيا والهند والكيان الصهيوني ومجموعة دول الخليج".
الصراع والمبادئ
وألمحت الورقة إلى أن القمة دليل غياب ما يعتبره الأوروبيون مبادئ فقالت "يواجه الأوروبيون انتقادات بانتظام لدعمهم أنظمة إفريقية سلطوية؛ تسعى دول الاتحاد الأوروبي في علاقاتها سواء المؤسسية أو الثنائية بإفريقيا إلى الحفاظ على تحقيق مصالحها في إفريقيا من خلال مبادراتها التعاونية مع الأفارقة، والتي ما كانت لتحدث أو لتكون بهذا المستوى لولا تنامي التوغل الصيني والروسي في إفريقيا".
وأضافت أن "القمة بين الاتحادين الإفريقي والأوروبي تعلن الانتقال بالعلاقة بينهما من علاقة مانحين بمتلقين إلى علاقة شراكة تعاونية تكاملية، يتبنيان فيها رؤية مستقبلية تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، عبر أُطُر وآليات مشتركة، وباستخدام وسائل وأدوات جديدة من شأنها الارتقاء بمستوى هذه الشراكة وتعظيم عوائدها على الطرفين".
وأوضحت أن إعلان القمة السادسة لا بيعد عن كونه مجرد شعارات ترفعها دول الاتحاد الأوروبي للحفاظ على مصالحها في الدول الإفريقية في مواجهة الخطر الذي تواجهه دول المعسكر الغربي جراء تنامي نفوذ المعسكر الشرقي في الدول الإفريقية؛ فإن هذا المؤتمر وهذا الإعلان مؤشر قوي على احتدام التنافس بين المعسكرين في الدول الإفريقية -لاسيما بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا- الأمر الذي سيؤثر بدوره على استقرار تلك الدول وتنميتها على عكس المُعلن من أهداف تلك المؤتمرات والقمم التي تسعى في ظاهرها لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية للدول الإفريقية".
8 مقتضيات رئيسية
وقالت الورقة إن "الوثيقة الختامية رؤية مشتركة لعام 2030 دُونت في 6 صفحات تحت 8 عناوين رئيسية تكفّل كل عنوان منها ببيان الرؤية المشتركة المستقبلية للاتحادين في عدة مجالات والتي تمتد لـ 8 سنوات قادمة حتى عام 2030، وفي هذا الإطار يُمكن قراءة مضمون الوثيقة الختامية للقمة من خلال مجموعة من النقاط".
أولها، أن المبادرات الاقتصادية الأوروبية لا تعدو أن تكون ردا متأخرا على التوغل الاقتصادي الصيني واسع النطاق في إفريقيا، والذي لو استمر بالوتيرة الحالية دون رد أوروبي لأدى إلى سحب البساط اقتصاديا من تحت أقدام القوى الاستعمارية صاحبة النفوذ التقليدي طويل الأمد في إفريقيا.
وثانيها، أن المبادرات الاقتصادية الأوروبية جاءت ضئيلة شحيحة مخيبة للآمال، أقل بكثير من تطلعات الأفارقة، ولا تتناسب مع الزخم الكبير الذي أحدثته الحملة الترويجية الضخمة التي سبقت القمة.
وثالثها، أن المبالغ التي تعهد الاتحاد الأوروبي بضخها في سوق الاستثمار الإفريقي لن يتم ضخها بشكل فوري، وإنما بصورة تدريجية على مدى سبع سنوات قادمة، الأمر الذي يتضاءل ويتباطأ معه دورالاتحاد الأوربي في إنعاش الاقتصادات الإفريقية، كما أنه قد تتغير المعطيات خلال هذه المدة الطويلة نسبيا، فلا يتم الوفاء بهذه التعهدات.
ورابعها، أن قضية الهجرة غير المشروعة تُعد أولوية قصوى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فكل ما جاء بشأنها يصب في مصلحة أوروبا، ولا هدف له إلا حماية أوروبا، وتنظيم استفادتها من هجرة العقول الإفريقية.
وخامسها، أن الوثيقة لم تحمل جديدا في شأن السلم والأمن، فكل ما ورد بها يُمكن تلخيصه في الالتزام بمبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية، والتزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز جهوده في مجالات التدريب والتسليح واللوجستيات، مع التعهد بتحقيق السلم والأمن في إطار الاتفاقيات المُوقعة بين الاتحادين، عبر الآليات القارية والأممية.
وسادسها، أن المبادرات الأمنية الأوروبية لا تضع الاتحاد الأوروبي في مكانة الشريك الحريص على مصالح شركائه، ولا تنبئ عن شيء سوى عن استغلال المساعدات الأمنية الأوروبية لتحقيق وحماية المصالح الأوروبية في إفريقيا؛ بغض النظر عما يحقق مصالح الأفارقة.
وسابعها، أن الرعاية الأوروبية للديمقراطية والحكم الرشيد تراجعت إلى درجة أنها وردت بوثيقة القمة على استحياء في عبارات عامة غير محددة، وهو ما ينبئ بأن أوروبا تخلت عن مشروطياتها الديمقراطية في التعاطي مع الأنظمة الحاكمة الإفريقية؛ اقتداء بما تفعله الصين وروسيا.
وثامنها، أن المبادرات الأوروبية في المجالات الأخرى لا تعدو أن تكون وعودا وتعهدات مستقبلية، لا ضامن للوفاء بها ولا للاستمرار فيها.
40 دولة
وشارك السيسي إلى جوار 40 من القادة الأفارقة في بروكسيل، ضمن برامج مبادرات تشير إلى محاولة أوروبا إعادة تأكيد نفوذها في القارة الإفريقية ، من خلال استدراك فشلها في دعم القارة واستعدادها لمنافسة لاعبين آخرين مثل الصين التي تملك استثمارات ضخمة داخل القارة، وروسيا التي توطد علاقاتها مع دول وسط إفريقيا والساحل.
