سودانيون يتهمون السيسي بإفساد العلاقات بين البلدين بدعم انقلاب”البرهان”

- ‎فيعربي ودولي

تشهد العلاقات التاريخية القوية بين السودانيين والمصريين اختبارا قاسيا، حيث يواصل المحتجون المؤيدون للديمقراطية اتهام سلطات الانقلاب بدعم الانقلاب العسكري في السودان، والتخطيط لتقديم نموذج مصري للحكم، بحسب تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي".

وبدأ إغلاق الطرق بين البلدين في وقت سابق من هذا الشهر، عندما نظم السكان والمزارعون في الولاية الشمالية في السودان اعتصاما، وأغلقوا الطرق احتجاجا على ارتفاع التعريفات وأسعار الطاقة.

وقد أدت هذه الخطوة إلى محاصرة مئات الشاحنات المصرية، التي تحمل مواد غذائية وغير غذائية في المنطقة.

ومع اشتداد حدة هذه التوترات عبر وسائل الإعلام الاجتماعية والخطب السياسية، اتخذت الآن نبرة شعبوية وعرقية، حيث حث المحتجون مصر على وقف ما وصفوه بتدخلها في القضايا الداخلية السودانية، ودعوا القادة العسكريين في السودان إلى التوقف عن خدمة المصالح المصرية والاستماع إلى مطالبهم الخاصة.

وقال حمزة محمد طاهر، وهو عضو بارز في لجان المقاومة في الولاية الشمالية، لميدل إيست آي إنه "في حين أن إغلاق الطرق قد بدأ كرد فعل من المزارعين المحليين على رفع إعانات الكهرباء وزيادة التعريفات الجمركية، إلا أنه سرعان ما تصاعد إلى الاحتجاجات ضد قتل المتظاهرين في الخرطوم، وأصبح في النهاية حركة شعبية واضحة ضد ما يعتقد أن العديد من السودانيين أنه دعم مصري للجيش".

وقال طاهر إن "حركة جديدة، أُطلق عليها اسم "المتاريس الشمالية"، قد أغلقت ولايتي الشمال والنهر في مواقع مختلفة لقطع الطرق التي تربط السودان بمصر وبورتسودان على ساحل البحر الأحمر".

وأضاف "لقد وضعنا متاريس وأغلقنا الطرق على ضفتي النيل في مناطق حفير ماشو ودالغو والبريج في شمال السودان بين مناطق أخرى في ولاية نهر النيل، كما أخبر ميدل إيست آي عبر الهاتف".

وأكد طاهر أن مئات الشاحنات التي تحمل بضائع سودانية، تقطعت بها السبل، وأن مصر تتحالف مع الانقلاب العسكري في السودان، وأعتقد أن صوتنا سوف يُسمع الآن في القاهرة.

 

الديمقراطية ’مخيفة لمصر‘

الغضب السوداني ضد مصر بسبب التطورات السياسية في البلاد ليس ظاهرة جديدة.

وفي أعقاب الانتفاضة السودانية في أبريل 1985 التي أطاحت بالرئيس السابق جعفر نميري، أعرب آلاف السودانيين عن غضبهم ضد مصر، فأحرقوا علمها أمام سفارتها في الخرطوم، ودعوا القاهرة إلى تسليم نميري الذي فر إلى العاصمة المصرية.

بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل 2019، شق العديد من أعضاء إدارة البشير طريقهم إلى مصر.

ويقيم في القاهرة حاليا كل من رئيس الاستخبارات السابق صلاح قوش، ووزير الدفاع السابق عوض بن عوف ورئيس هيئة أركان الجيش السابق كمال عبد المعروف، وضباط كبار من الجيش بمن فيهم رئيس هيئة الأركان السابق عماد عدوي ووزير الداخلية السابق عصمت عبد الرحمن.

وقال عبد السلام أحمد، وهو مهندس يبلغ من العمر 56 عاما شارك في احتجاجات عام 1985، لموقع ميدل إيست آي إن "المتظاهرين يعتقدون أن نميري متورط في الفساد ، وارتكب العديد من الجرائم، لذا يجب محاكمته في السودان".

وأضاف، هذا مماثل لما يحدث الآن، فمصر لا تحب رؤية الديمقراطية في السودان.

وأوضح "أن المخاطر المترتبة على نشر الديمقراطية أشد ترويعا بالنسبة لمصر، من تلك التي تفرضها الأفكار الإسلامية المتطرفة".

وقال عصام شعبان، وهو باحث مصري في الشؤون الأفريقية، في حديث مع ميدل إيست آي إن "مصر لديها مصالح في السودان وتراقب عن كثب ما يجري هناك، متوقعا انعكاسها المحتمل في مصر".

 

السيادة الاقتصادية

يذكر أن حركة التبادل التجاري بين مصر والسودان، شهدت نموا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت 718 مليون دولار خلال الفترة الممتدة من يناير 2021 إلى يونيو 2021، مقابل 291.8 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2020.

بلغ إجمالي الصادرات المصرية إلى السودان 419 مليون دولار خلال الفترة من يناير 2021 إلى يونيو 2021، مقارنة ب 172.3 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020؛ في حين بلغت الصادرات السودانية إلى مصر 299 مليون دولار في الفترة من يناير 2021 إلى يونيو 2021 مقارنة ب 119.5 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2020.

وتشمل الصادرات السودانية إلى مصر المواد الخام والماشية والسمسم والقطن والفول السوداني والمنتجات الزراعية والحيوانية الأخرى، في حين تصدر مصر إلى السودان مجموعة واسعة من السلع تشمل المواد الغذائية والمنتجات الصناعية والكيماويات والآلات والمعدات.

تقول سارة حامد، مرشحة الدكتوراة السودانية في جامعة أوبسالا في السويد، إن "الحصار هو  صرخة ضد سياسات الليبرالية الجديدة التي تبنتها حكومة الانقلاب، وانعكاس للمطالب السودانية بالسيادة الاقتصادية".

وقالت الباحثة في علم الاجتماع لميدل إيست آي إن "المزارعين الذين بدأوا الحصار احتجاجا على ارتفاع أسعار الكهرباء بسبب السياسات النيوليبرالية القاسية التي طبقتها الحكومة الانقلابية، سرعان ما طوروا مطالبهم لتشمل القضايا المتعلقة بملكية الموارد التي تم توليدها في المنطقة الشمالية من السودان، مثل الموارد من المناجم، فضلا عن المطالب ضد تصدير المواد الخام إلى مصر".

وأضافت ، وتعكس هذه المطالب فهما متعمقا للطبيعة الاستخراجية والاستغلالية للاقتصاد السوداني، الذي يعتمد على تصدير المواد الخام إلى البلدان الأجنبية دون أن يعود بأي فائدة على الأشخاص المشاركين في استخراج هذه الموارد.

وتابعت ، كما يسلط الحصار الضوء على قضية السيادة التي خسرها السودان منذ الاستعمار التركي المصري، والتي أعقبتها الاستعمار البريطاني المصري والاستعمار الجديد المستمر الذي اتسم بالمنافسة الشرسة على الموارد السودانية من كل من دول المنطقة، بما في ذلك مصر والدول الغربية الدولية، والتي يدعمها عقدة عسكرية ونخبوية تستفيد من هذا.

 

خطاب عنصري

وأشارت سارة حامد إلى أن الحركة الحالية ضد مصر، كانت رد فعل لتدخل القاهرة في السياسة السودانية، بالإضافة إلى خطاب عنصري في مصر ضد السودان.

وبالتالي، فإن الحصار يمثل إرباكا للخطاب البرجوازي الوطني السوداني ، من خلال وضع القضية الاقتصادية وقضية السيادة الوطنية في الواجهة ، فضلا عن إرباك الخطاب العنصري الذي اتسم إلى حد كبير بطريقة تعامل مصر مع السودان؛ لا شك أن هاتين القضيتين متشابكتين.

واتفق رامي يحيى، الباحث المصري في العلاقات السودانية المصرية، على أن الغضب الشعبي في السودان هو نتيجة للأخطاء التاريخية والحالية على حد سواء، إلا أنه قال علينا التمييز بين الدولة والشعب في مصر.

وأضاف ، المصريون مظلومون من قبل الحكام العسكريين مثل السودانيين، لذلك عندما تستخدم هذه الأداة لعرقلة الصادرات، فهذا يعني أن المصريين يعاقبون مرتين. 

وأوضح طاهر أن استمرار حصار الطرق، لا يهدف إلى معاقبة المصريين العاديين، وأنه حريص على الحفاظ على علاقات طيبة بين السودانيين والمصريين.

 

غياب التركيز الثوري

وحذر الباحث المصري عصام شعبان من أن إغلاق الطرق على الحدود، فهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على العلاقات بين السودانيين والمصريين، ولن يؤثر بالضرورة على الموقف المصري الرسمي حيال ما يجري في السودان.

وأضاف، تاريخيا، تم استغلال الخلافات بين البلدين من قبل السياسيين من كلا الجانبين، كما تم استغلالها من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية لتخريب العلاقات القائمة على الجغرافيا السياسية التاريخية والمصالح المشتركة.

وأوضح شعبان أنه يعتقد أن القضايا الإقليمية، هي أيضا وراء التوترات، وخاصة فيما يتعلق بالمصالح المصرية حول سد النهضة الأثيوبي الكبير وكامل قضية تقاسم مياه النيل.

وقال في حديث مع ميدل إيست آي إن "مصر حريصة أيضا على إعطاء الأولوية لمسألة مياه النيل، حيث كانت القاهرة تهدف دائما إلى وضع السودان إلى جانبها في هذه القضية".

وأضاف شعبان أنه يعتقد أن الخلافات الحالية على الهوية والثقافة، قد تحول انتباه العامة والثوار في السودان عما ينبغي أن يكون أهدافهم.

وأوضح أن الثورة السودانية بحاجة للكفاح من أجل الجانب الاجتماعي، والدفاع عن الطبقات الفقيرة، بدلا من الانشغال بقضايا الهوية والثقافة التي من شأنها إلهاء الثورة في السودان، على غرار الثورات الأخرى في المنطقة".

وعلى هذا فإن الشعوب المضطهدة في المنطقة تحتاج إلى توحيد نفسها، بدلا من الركض وراء القضايا الشعوبية.

 

https://www.middleeasteye.net/news/sudan-egypt-ties-stress-accuse-supporting-coup