في ظل التطورات الأخيرة، وافق برلمان "صربسكا" بداية ديسمبر الجاري، على سحب موظفيه من أهم ثلاث مؤسسات فيدرالية وهي الجيش والقضاء والضرائب تدريجيا، فيما يعد أول خطوات تحقيق المساعي الانفصالية التي يتزعمها الزعيم الانفصالي ميلوراد دوديك، وسط دعم روسي خفي لانفصال صربيا، ولا يقتصر ذلك على الجانب السياسي، ففي عام 2018 كشف تحقيق لصحيفة الغارديان نقلا عن الإعلام البوسني، أن روسيا درّبت مرتزقة استقطبتهم من عالم المجرمين في صربيا لدعم الانفصاليين.
مليشيات الصرب "الأرثوذكس" يطلق عليها "الشرف الصربي"، وخضعت للتدريب في مركز إنساني بتمويل روسي، أقامت قبل أيام عرضا عسكريا علنيا في مدينة بانيا لوكا الكبرى في البوسنة، فيما كشفت وثيقة سرية أن مساعدي الزعيم الصربي دوديك ناقشوا أهداف تلك المليشيا، وقد تضمنت تدخلا محتملا إذا ما سعت المعارضة لإعاقة السلطات عن القرارات الانفصالية.
حلف الأطلسي
وتسعى روسيا باستمرار منذ سنوات طويلة، لإنهاء نفوذ حلف شمال الأطلسي (ناتو) في منطقة غرب البلقان، ومد نفوذها القديم عليها، وهو ما تحاول الوصول إليه عبر دعم غير مباشر لمساعي جمهورية صربسكا في الانفصال عن البوسنة.
كما تقاتل روسيا باستماتة من أجل منع النفوذ الغربي من التمدد في تلك المنطقة، وضمان عدم تعارضه مع نفوذها الذي ترغب في توسيعه، ويبدو أن انفصال حليفها الإستراتيجي صربيا، إذا نفذ أفضل طريق لذلك.
ويدفعها لذلك أهداف سياسية وعسكرية ودينية المشتركة بين روسيا وصربيا، توجد عوامل اقتصادية أخرى تجعل ذلك الدعم أكثر إلحاحا، إذ تعتبر روسيا المورد الأساسي للنفط والغاز في المنطقة، وتعتمد عليها دول البلقان بشكل أساسي، وتتمتع شركات الطاقة الروسية الخاصة والمملوكة للدولة بحصص ضخمة في قطاعات الطاقة داخل العديد من دول البلقان.
تدريب مبكر
تحقيق صحيفة زورنال البوسنية أشارت إلى أن تلك المليشيات تلقت تدريباتها العسكرية في "مركز إنساني"، افتتحته روسيا عام 2012 بتمويل خاص منها في مدينة "نيش" الصربية.
ونشر موقع "زورنال" مجموعة من أعضاء المليشيا بصحبة الزعيم الصربي الانفصالي دوديك، وتُجند مليشيات "الشرف الصربي" فاجنر الصرب أشخاصا ينتمون إلى عالم الجريمة القاسي في البلاد، بهدف تشكيل وحدة موالية للزعيم الانفصالي دوديك، لدعمه بالتدخل المباشر، إذا سعت المعارضة لإعاقة تحرك السلطات، نحو الانفصال في وقت من الأوقات، وفق وثيقة سرية نشرتها الصحيفة المحلية.
وكشف التحقيق أن أحد قادة المليشيا، ويدعى بويان ستويكوفيتش، كان عسكريا صربيا سابقا، وقد تلقى تدريبه في موسكو، وحصل على ميدالية لتكريمه من جنرال روسي.
وزير الداخلية البوسني دراغان ميكتيتش، أشار إلى أن أجهزة المخابرات والأمن كانت على علم بوجود تلك المليشيا وأنشطتها منذ وقت طويل، قبل أن تعلن عن نفسها عبر عرض عسكري قامت بأدائه في مدينة بانيا لوكا، أكبر مدن البوسنة، في يناير 2018، وتحديدا في "ذكرى إقامة جمهورية صربسكا" الكيان الصربي داخل البوسنة.
وتنفي السلطات الصربية في جمهورية صربسكا أي أخبار متداولة تشير إلى وجود مليشيا "الشرف الصربي".
ومع الاستمرار والإعلان عن المليشيات والإجراءات السياسية، يرى مراقبون أن شبح الحرب يعود ليهدد مسلمي البوسنة مجددا بعد ما يقارب ثلاثين عاما على مجازر ارتكبها الصرب بحقهم، وخلفت نحو 200 ألف قتيل وفق تقديرات الأمم المتحدة، وتخللتها ممارسات اغتصاب وعنف ما زالت آثارها الدامية باقية حتى اليوم.
وبينما لم يكن خافيا الدعم العسكري الروسي السابق لصربيا في أثناء الحرب، فإن دلائله تبدو أشد وضوحا هذه المرة، وسط التطورات الأخيرة التي وصفها محللون بإعلان انفصال للصرب.
ومنذ انتهاء الحرب عام 1995، انقسم هذا البلد الواقع في منطقة البلقان إلى مجموعتين: الفيدرالية الكرواتية البوسنية من جهة، وجمهورية صربسكا "للصرب" من جهة ثانية، وتتمتع كل منهما بحكم شبه ذاتي، فيما تجمعهما دولة مركزية ضعيفة تمثلها رئاسة جماعية ثلاثية الأطراف.
