يثير غياب العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود منذ عشرين شهرا كثيرا من التساؤلات حول انتقال السلطة فعليا لكن بشكل غير رسمي إلى ولي العهد محمد بن سلمان، وكان غياب العاهل السعودي عن القمة الخليجية التي عقدت الثلاثاء 14 ديسمبر 2021م، والتي تولى إدارتها ولي العهد تأكيدا على أن بن سلمان بات يتولى فعليا مقاليد السلطة في بلاد الحرمين الشريفين.
لكن ما يثير التساؤلات هو الصورة التي كرَّس بها «ولي العهد» سلطاته، وهل جاءت عبر تفويض من الملك أم من خلال تهميشه من جانب نجله وولي عهده لا سيما في ظل ما يتردد حول العلل والأمراض التي يعاني منها الملك الذي يصل عمره حاليا إلى "86" عاما؟
من جانبها، سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على هذا الغياب الطويل للعاهل السعودي وإداة ولي عهده ونجله للقمة الخليجية الأخيرة، وتحت عنوان: «مع اجتماع قادة دول العالم كان غياب الملك سلمان ملاحظا»، يقول مراسل الجارديان مارتن شولوف، إن الملك سلمان لم يظهر منذ 20 شهرا مما يعطي صورة أن ولي عهده، الأمير محمد بن سلمان بات يمسك بكل مقاليد السلطة.
وبدأ شولوف تقريره بالقول إن الأمير كان راضيا عن نفسه عندما وصل الحكام العرب إلى الرياض يوم الثلاثاء، وبدا كرجل يمسك بزمام الأمور. ومع هبوط عدد متتابع من الطائرات التي خرج منها رؤساء الدول لحضور قمة إقليمية، كان ولي العهد حاضرا لاستقبالهم حيث أخذ مكان والده في مناسبة كبيرة أخرى.
وعندما رافق ابن سلمان قادة الكويت والإمارات العربية وقطر وعمان والبحرين على طول السجاد الأرجواني إلى قاعة الاستقبال، كان غياب الملك ملاحظا. فلو كان الملك المريض سيظهر في مناسبة تعقد مرة كل خمس سنوات، فهذا هو الوقت والمكان. وبالنسبة لقادة الدول في المنطقة ففشل الملك سلمان بتولي دوره أعطى إشارة مهمة أكثر من كونه فوض ابنه بتولي مسؤوليات أوسع. وكان غياب الملك مهما لدرجة أدت بمراقبي الشأن السعودي للقول إن التحول في السلطة الوراثية من الأب للابن قد حدث فعلا.
على كل حال، فإن الملك سلمان هو ملك غائب ولا يبدو أنه يمارس واجباته. ويمسك الأمير محمد بكل مفاصل السلطة في البلاد. ويرتبط غياب الملك بالسؤال القديم الذي يدور حول صحة الملك، فسيصبح عمره في رأس السنة الميلادية الجديدة 86 عاما، ولكنه تخلى عن كثير من واجباته. ومنذ أن كان وليا للعهد، يعرف في واشنطن ولندن بأن سلمان يعاني من حالة بطيئة من الخرف الوعائي (أو ضعف الإدراك الوعائي) وأعراضه خفيفة.
وقال مسؤول استخباراتي غربي: "لم يكن هذا عاملا كبيرا في السنوات الماضية، ومن الصعب فهم الوضع الآن مع كوفيد" مضيفا: "يعتقد أنها باتت إشكالية اليوم. وهي بالتأكيد مبرر لمحمد بن سلمان لكي يترك والده على الهامش". وعندما أعلن الملك الميزانية في يوم الإثنين عبر الفيديو، تحدث ببطء وقليل من الوضوح. وقال الضيوف الذين رأوه قبل أن يقفل كوفيد أبواب السعودية إنه كان يتحرك ويتحدث بحذر. لكن ظهوره في عدد من اجتماعات الحكومة الأخيرة أثار التكهنات حول صحته.
ولم يظهر الملك سلمان في العلن سوى مرة واحدة خلال الـ 20 شهرا الماضية، وقضى معظم فترة وباء كوفيد-19 في المدينة الجديدة نيوم، وهي المشروع المفضل لولي العهد السعودي الذي يطمع بتولي العرش السعودي بشكل رسمي. ومنذ تفشي جائحة كورونا لم يزر العاهل السعودي مركز السلطة في الرياض سوى مرة واحدة في أغسطس 2020 حيث أجريت له عملية مرارة كانت ناجحة. وكانت آخر مرة استقبل فيها مسؤولين غربيين هي عندما التقى وزير الخارجية البريطاني السابق دومينيك راب، وذلك قبل خمسة أشهر. وعندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السعودية والتقى مع محمد بن سلمان في مدينة جدة، لبحث الأزمة اللبنانية وإبرام عدة صفقات سلاح، لم يلتق الملك قط. وكانت زيارة ماكرون هي الأولى التي يقوم بها رئيس دولة غربي منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي، حيث نظر إليها كلحظة مهمة للمملكة الراغبة وبقلق بتجاوز تبعات الجريمة الدولية وأثرها على صورتها.
وسواء كان وضع الملك سلمان كشبه منفي بمحض إرادته أو خارجا عن سيطرته، فإنه لم يمنع من انتشار التكهنات في داخل المملكة وفي الخليج، والخلاصة أن ولي عهده بات هو الحاكم الفعلي في بلاد الحرمين.
