لماذا استبعدت واشنطن «السيسي» من قمة الديمقراطية؟

- ‎فيعربي ودولي

على عكس كل التوقعات التي ذهبت إلى ترجيح توتر العلاقات المصرية الأمريكية في أعقاب انتخابات جوزيف بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية خلفا للرئيس السابق دونالد ترامب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف بالحزب الجمهوري والذي كانت تربطه علاقات حميمة مع الجنرال عبدالفتاح السيسي، فإن هذه العلاقات شهدت تحسنا ملموما في عهد بايدن حتى إنها تمضي ــ تقريبا ــ  على نفس النسق الذي كانت عليه في عهد ترامب. واعتمد المحللون وقتها على ترجيح توتر العلاقات على تصريحات بايدن وفريقه الرئاسي قبل الانتخابات الأمريكية عندما أكد أنه لن يسمح بالشيكات على بياض لدكتاتور ترامب المفضل، في إشارة إلى السيسي.

البرهان على ذلك أن واشنطن شهدت في اكتوبر الماضي 2021م، جلسات الحوار الإستراتيجي بين الدولتين، لكن اللافت أن الإدارة الأمريكية استبعدت الجنرال السيسي من المشاركة في قمة الدول الديمقراطية التي اسضافتها واشنطن (افتراضيا    بسبب تفشي جائحة كورونا) يومي الخميس والجمعة (9، 10 ديسمبر 2021م).

في تحليله لهذا الاستبعاد الأمريكي للسيسي وحكومته رغم أن عدد الدول المشاركة يصل إلى 108 دولة، يرى الخبير في العلاقات المصرية الأمريكية، محمد المنشاوي في مقاله له تحت عنوان «لماذا اُستبعدت مصر من قمة بايدن الديمقراطية؟» والمنشور على شبكة الجزيرنت يوم الأربعاء 7  ديسمبر، أن «ما قد يزعج الحكومة المصرية قد لا يقتصر على استبعادها، بل ربما قيام إدارة الرئيس بايدن بتوجيه دعوة لبعض منظمات المجتمع المدني المصري العاملة في مجال الحريات ودعم الحقوق السياسية والديمقراطية للمشاركة».

وبحسب جدول الأعمال وأجندة القمة التي نشرتها الخارجية الأمريكية فإن هذه القمة تستهدف ثلاثة أمور: مواجهة النظم الاستبدادية، ومكافحة الفساد، ودعم حقوق الإنسان، وهو ما يعكس وجهة نظر بايدن بأن تعزيز الديمقراطيات في العالم في وقت يزداد فيه الاستبداد يتطلب أدوات تتجاوز مجرد الخطابة عن الانتخابات الحرة والنزيهة. وباستثناء العراق غابت جميع الدول العربية عن هذا المؤتمر العالمي، وتعد منطقة الشرق الأوسط من بين أقل المناطق تمثيلا في هذه القمة، إذ لا يشارك منها سوى العراق وحكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس أبشع صور الانتهاكات بحق الفلسطينيين.

لكن الواقع يؤكد أن واشنطن تهدف من خلال هذه القمة إلى بناء تحالف دولي ديمقراطي لمواجهة النجاحات التي تحققها الدول غير الديمقراطية -خاصة الصين وروسيا- في العديد من المجالات الاقتصادية والتنموية والعسكرية والتكنولوجية.

وخلال جلسات الحوار الإستراتيجي بين واشنطن والقاهرة والتي انعقدت في واشنطن في أكتوبر 2021م تطرق وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في كلمته الافتتاحية للحوار الإستراتيجي إلى 4 ملفات هي: الأمن الإقليمي، والتحديات العالمية كالمناخ والبيئة ومكافحة فيروس “كوفيد-19″، وقضايا حقوق الإنسان، ورابعا وأخيرا التعاون الاقتصادي.

ومنذ توليه منصبه حاول الرئيس جو بايدن الموازنة بين بعض الاعتبارات في مقاربته لعلاقات بلاده مع القاهرة، فقد أشاد بالدبلوماسية المصرية وتحدث مرتين مع السيسي إبان أزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحظى مصر -التي حافظت على معاهدة السلام مع إسرائيل منذ عام 1979- بالثناء من المسؤولين الأميركيين، بسبب زيادة وتقوية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

لكن ما قد يزعج حكومة الانقلاب المصرية قد لا يقتصر على استبعادها، بل ربما قيام إدارة الرئيس بايدن بتوجيه دعوة لبعض منظمات المجتمع المدني المصري العاملة في مجال الحريات ودعم الحقوق السياسية والديمقراطية للمشاركة.

بحسب مراقبين فإن مؤتمر الديمقراطية الذي نظمته واشنطن ما هو إلا احتفالية شكلية يراد منه الإيحاء باهتمام الإدارة الأمريكية بالديمقراطية؛ للتغطية على دعمها المطلق لجميع الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية في العالم باستثناء الأنظمة التي تهدد المصالح الأمريكية وعلى رأسها روسيا والصين؛ لذلك يرى البعض أن بايدن قد أخفق في أجندة الديمقراطية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يراه الكثيرون مختلفا عن سلفه الرئيس دونالد ترامب، خصوصا في ما يتعلق بعلاقتهما مع الحكام المستبدين في الشرق الأوسط.

يقول ستيفان والت، الكاتب في مجلة Foreign Policy الأمريكية وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، إن أهداف القمة وتوقيتها غير واضحين. فهل يُفترض أن تخرج بنتائج ملموسة، مثل التزامات أو برامج جديدة بتأثيرٍ قابل للقياس على قوة الديمقراطية حول العالم؟ أم هل ستكون القمة مجرد مهرجانٍ حواري يتمخّض عن تصريحات براقة بدون جوهر؟ وهذه تساؤلات مهمة لأن التسويق للديمقراطية يأتي من خلال إظهار قدرة المجتمعات الديمقراطية على تقديم أداءٍ أفضل من بدائلها الاستبدادية – على حد تعبير بايدن نفسه.

ومع الأسف، ليست الولايات المتحدة في أفضل موقع لقيادة هذه الجهود الآن؛ إذ خفضت مؤسسة Economist Intelligence Unit البريطانية تصنيف الولايات المتحدة إلى فئة “الديمقراطية المعيبة” قبل انتخاب دونالد ترامب رئيساً، ولم يحدث ما يُغيّر تلك الحالة حتى الآن. بل على النقيض، ما يزال واحدٌ من أكبر حزبين داخل الولايات المتحدة يرفض قبول شرعية نتيجة انتخابات الرئاسة 2020، ويبذل جهودهاً مضاعفة لتقويض الأعراف الديمقراطية وتزوير الانتخابات المستقبلية لصالحه. وهذه ليست صورةً مثالية لمن يُحاول قيادة عملية الإحياء الديمقراطي.