قالت دراسة حديثة: إن هيمنة العسكر على الحكم والسياسة والمجتمع ظهرت بشكل واضح في الفترة الممتدة بين عام 1955- بداية تولي عبدالناصر الحكم- حتى هزيمة يونيو 1967، مضيفة أن الجيش طوال تلك الفترة كان أقوى العناصر المؤسسية داخل النظام السياسي بلا منازع، في مقابل ضعف المؤسسات المدنية للدولة أو غياب فاعليتها في المجال العام أمام المؤسسة العسكرية.
وأضافت الدراسة- التي كانت بعنوان "تاريخ الضبطية القضائية للعسكريين وآثارها الكارثية على المجتمع"- أن نظام عبدالناصر حلّ الأحزاب والمنظمات، واستبعد النخبة السياسية المدنية، وبعد هزيمة 1967؛ فرضت الهزيمة نقاشًا علنيًا لمساوئ تغول العسكريين على الحياة المدنية.
بداية الظهور
وأرّخت الدراسة لبداية ظهور قوانين الضبطية القضائية والتي هي "إجراءات واختصاصات وعمليات يُنفذّها المسؤول عن الضبط القضائي للقبض عن الخارجين عن القانون وتقديمهم للمحاكمة بأداة الجريمة، بحيث لا تتعدى الضبطية اختصاص مهمته أو التوسع فيها على حساب القانون" لم يكن معمولا بها في مصر قبل ثورة 23 يوليو، إلا أثناء الحروب.
وأضافت أن تلك القوانين كان لها قبل ثورة 23 يوليو حدود وأطر، وبعد الثورة توسعت فشملت رجال الجيش – بحكم أنهم هم السلطة – فكان لها واقعها الكارثي على الحياة المدنية والمجتمع.
وأشارت إلى أن أول قرار لمنح القوات المسلحة الضبطية القضائية هو القانون رقم 84 لسنة 1953م والذي يمنح الضبطية القضائية للبوليس الحربي وذلك في 26 فبراير 1953م.
وأوضحت أن البوليس الحربي – الشرطة العسكرية فيما بعد – استخدمت القانون في التنكيل بالشعب والطلبة بل والعسكريين الذين خالفوا أهواء جمال عبدالناصر، فحينما حدث الشقاق بين محمد نجيب وعبدالناصر ومجموعته قام الضابط أحمد أنور بضرب محمد نجيب ضربا مبرحا.
وأردفت أن البوليس الحربي استخدم قانون الضبطية القضائية قمع مظاهرات الطلاب المطالبة بعودة الديمقراطية للحياة وعودة الجيش لثكناته.
اعتقالات مارس 54
وكشفت الدراسة عن أن اعتقال الكاتب الصحفي إحسان عبدالقدوس في فترة الثورة الأولى كان بأوامر من الضابط أحمد أنور – قائد البوليس الحربي – تبين فيما بعد أنها كانت بدون علم القيادة السياسية.
وأضافت أن البوليس الحربي اعتقل 118 شخصًا بينهم 45 من الإخوان، و20 من الاشتراكيين، و5 من الوفدين، و4 شيوعيين، بعد أحداث قصر عابدين في مارس 1954م لمجرد أنهم طالبوا بعودة محمد نجيب للحكم.
واضافت أنه في عام 1958م، تم تغير اسم البوليس الحربي إلى الشرطة العسكرية والتي سارت على المنهج نفسه في خدمة القيادة السياسية في قمع الشعب والتسلط عليه، حتى جعلت حدود مصر كأسوار سجن حبس فيها الشعب كله وارتكبت فيه من الجرائم ما يشيب لها الولدان.
الضبطية الثانية
واشارت الدراسة إلى أن الضبطية الثانية في عد ناصر كانت في عام 1965م، حيث تشعبت وحدة جديدة من الشرطة العسكرية سميت المباحث الجنائية العسكرية، قامت هذه المباحث بمعظم الأعمال الإجرامية في عهد عبد الناصر، مثل تعذيب وقتل الناس في السجون وحوادث مثل "كمشيش" و"كرداسة" عام 1965م وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في حق شعب مصر تحت شعار تصفية الإقطاع أو تصفية أعداء الشعب، وظلت سيفًا مصلتًا على رقاب الشعب حتى وقعت هزيمة 5 يونيو 1967م فتم إلغاؤها عام 1968م.
وأوضحت أنه في 66 صدر قانون الأحكام العسكرية رقم 25 وصدر في ٢3 مايو ١٩٦٦م وهذا القانون وضع حكم الدولة في أيدي الشرطة العسكرية, والمباحث الجنائية العسكرية، وبمقتضاه كان لهما سلطة الضبطية القضائية بالنسبة للمدنيين.
ونقلت الدراسة شهادة من اعترافات العقيد طبيب أركان حرب ماجد عبد الهادي حمادة – 48 سنة – عقيد طبيب بالخدمات الطبية بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي، والمولود بالقاهرة ومقيم 10 ش الشهيد إسماعيل فهمي الحي الخامس مصر الجديدة، حديثه عن تعذيب يمارسه بعض ضباط المباحث الجنائية العسكرية بضرب المعتقلين بالسياط في السجن الحربي.
هزيمة 67
واعتبرت الدراسة أنه حتى هزيمة يونيو 1967م، كان لحظة فارقة مع الضبطية القضائية؛ حيث أعلن عبدالناصر عن انحرافات جهاز المخابرات، واكتشف خيانة صديقه عامر في تكوين مراكز قوى، فاغتال عامر وقبض على شركائه العسكريين أمثال صلاح نصر وشمس بدران وحمزة البسيوني وغيرهم، وجاء العنوان الرئيسي في صحيفة الأهرام عام 1968“بوقف العمل بقانون الأحكام العسكرية لحين تعديله".
كما نشرت “الأهرام” خبرا عن اتخاذ مجلس الوزراء عدة قرارات خطيرة كان من أهمها قرار وقف العمل بالقانون ٨٤ لسنة ٥٣ الذي كان يخول للشرطة العسكرية صفة الضبطية القضائية بالنسبة للمدنيين.
ثاروا وانقلبوا
وأشارت الدراسة إلى أن الضبطية القضائية تأتي مع توسع العسكر في شتى مناحي الحياة المدنية، وفي عهد السادات زاد نفوذ الجيش فتوسعت المؤسسة العسكرية في المشروعات الاقتصادية التي جنت من خلفها الكثير من الأموال غير المراقبة، بالإضافات للمساعدات الأمريكية السنوية.
وأعتبر أن ذلك كان سببا جعلت الجيش يضحي بمبارك أثناء ثورة 25 يناير من اجل الحفاظ على نفوذه السياسي وإمبراطورتيه الاقتصادية فانحاز للشعب، في محاولة لإلهائه عن البحث عن إمبراطورتيه الاقتصادية، وأيضًا لاستمالة المحتجين من أجل تحقيق أهدافه بدلاً من أجل تحقيق أهداف الثورة، وهو ما نجح فيه خاصة حينما نجح في سياسة فرق تسد بين القوى السياسية الفاعلة في ثورة 25 يناير ونقل الثورة إلى صراع وتنافس على السلطة (البرلمان والرئاسة)، بل وصل الحال أن طلب البعض لاستمرار حكم المجلس العسكري، وهو السبب نفسه الذي دفعه للانقلاب على أول رئيس مدني منتخب حينما صرح بأن ميزانية المؤسسة العسكرية لا بد أن يراقبها البرلمان، بالإضافة إلى كونه أوكَلَ معظم المهام للمدنيين على حساب حصة المؤسسة العسكرية، ومن ثم عاد إحكام المؤسسة العسكرية على الحياة مرة أخرى.
تسييس الجيش
واستشهدت الدراسة بمقولة للمفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون؛ حيث قال إن "تسيس مهام الجيش تدفع الضباط للمشاركة في الحياة السياسية بل وعمل الانقلابات، والأخطر في ذلك هو انعدام الرقابة المدنية على مؤسسة الجيش – رقابة البرلمان – واختفاء الشفافية المالية والأطر القانونية داخل المؤسسة العسكرية مما يجعله قلعة حصينة من الأسرار التي لا يجب لمدني الاطلاع عليها".
وأضاف أن "البنك الدولي قرر في تقرير له أن أمريكا تدفع ما يزيد عن تريليون دولار أمريكي على شكل رشاوى وأن معظم الاختلاسات للأموال العامة والفساد وقعت من حكام كانوا في الأصل عسكريين كسوهارتو زعيم إندونيسيا السابق، وزعماء عرب".