تدخل مصر مرحلة جديدة في أزمة سد النهضة، بعد قيام وزير خارجية الانقلاب سامح شكري بتوجيه خطاب إلى مجلس الأمن، الأمر الذي يعني تدويل القضية بعد سنوات من المفاوضات في ظل استمرار بناء السد دون توقف، حيث أعلن الإعلام الرسمي على القناة الأولى عن عجز حاد في المياه يعادل 21.5 مليار متر مكعب.
ويرى مراقبون أن تلك الخطوة تأخرت كثيرا، وأن مصر والسودان موقفهما ضعيف لأنهما وقّعتا على اتفاقية إعلان مبادئ سد النهضة عام 2015، والتي لم تعترض على استمرار التشييد، حيث إن السد يتبقى على اكتماله شهران فقط.
عجز متصاعد
وعلق الدكتور محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود بالجامعات الماليزية، بأن إعلان العجز المائي خطوة مهمة على الطريق، مرجحا أن الإعلام الرسمي للانقلاب سيعترف قريبا بوصول العجز إلى 32 مليار متر مكعب.
وكشف عن أن “العجز المعلن بـ21.5 مليار متر مكعب، يعني تبوير 4.2 مليون فدان، من إجمالي 8.5 مليون فدان، وهو إجمالي المساحة الزراعية بالدولة المصرية”. مقدرا أن كل مليون فدان يحتاج إلى 5 مليارات متر مكعب من مياه الري سنويا.
وأشار، عبر “فيسبوك”، إلى أنه منذ توقيع السيسي اتفاقية 2015 في الخرطوم بشأن السد، أخفى الإعلام الرسمي الحقائق، متوقعا أن يعلنوها، وأن ذلك سيثبت غوغائية خبراء الانقلاب الذين يروج أحدهم عبر العديد من المحطات الفضائية أن العجز لن يزيد على 15 مليار متر مكعب، على الرغم من وجود فيديوهات له أيام الرئيس المظلوم محمد مرسي تؤكد تصريحاته بأن العجز لن يكون أقل من 25 مليار متر مكعب.
شكوى في السر
وقال مراقبون، إن خطوة شكوى مجلس الأمن ضد إثيوبيا بشأن سد النهضة تم الإعلان عنها بصورة غير مباشرة، حيث لم تتناولها وسائل الإعلام المصرية الرسمية، ولم تنشر وزارة الخارجية بيانا بشأنها، بل نشرها موقع إثيوبي أولا يوم الثلاثاء 5 مايو، وأعقب ذلك إشارة الخارجية المصرية إلى خطاب أرسلته لمجلس الأمن.
ونشر موقع “إثيوبيا إنسايدر” الشكوى المصرية التي جاءت في خطاب من 15 ورقة، شملت سرداً لنتائج المفاوضات السابقة التي تمت بين الدول الثلاث: مصر والسودان وإثيوبيا، منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ في مارس 2015 وحتى الآن.
وقلّل المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية من شأن الشكوى، وقال إن “أديس أبابا علمت بالشكوى، لكنها تعتقد أن مصر لن تستفيد منها، لأن ادعاءاتها لا أساس لها من الصحة”.
ويبدو أن الموقف المصري يبقى ضعيفا في أطره السياسية والدبلوماسية بعدما وقع الطرف المصري بالاتفاق الإطاري في واشنطن، لكن الجانب الإثيوبي رفض التوقيع ورفض السفر لاستكمال المفاوضات، وكذلك الطرف السوداني.
ورجح مراقبون أن التحرك المصري لن يؤتي ثماره، خصوصا في مجلس الأمن، لجملة من الأسباب، أهمها أن الملف لا يمثل أهمية كبرى لدى أي من القوى الكبرى، فالولايات المتحدة منشغل رئيسها بمعركة الانتخابات الرئاسية، وكارثة وباء كورونا الذي حصد أرواح أكثر من 74 ألف أمريكي، وللصين علاقات واستثمارات ضخمة في إثيوبيا لن تخاطر بها، والأمر نفسه ينطبق على غالبية الدول الكبرى المشغولة بحرب الوباء.
انعدام الثقة
ومن أوضح نواحي فشل الانقلاب عن معالجة قضية المياه، برأس السودانيين، ما قاله الخبير السوداني د.الوليد مادبو في تصريحات لصحف سودانية، بأن إثيوبيا استغلت انعدام الثقة بين القيادات السياسية لدولتي المصبّ، وضعف التنسيق بين شعبيهما، وانعدام الرؤية الاستراتيجية عند كليهما فيما يخصّ الشأن الإفريقي، فغدت تُعَوِّل على إحداث الفُرقة بين دولتي المصب، حتى أصبحت إحداهما شريكا (مصر) والأخرى وسيطا (السودان)، فكان أن أحدثت اختراقا جعلها تظفرُ بالموقف.
وكشف عن أن إثيوبيا في خارطتها التمدد في الداخل السوداني، قائلا إنها تتهرب من عقد اجتماع إقليمي لترسيم الحدود مع السودان حتى الآن، ما يفضح نيتها وعزمها التمدد قدّر إمكانهم داخل الحدود السودانية.
وفي إشارة إلى عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، قال الخبير “مادبو”: إن الإثيوبيين يستغلون وينتهزون هذه الأيام فرصة وجود متعاونين مخلصين على رأس هرم السلطة الانتقالية فيسعون لإبرام أي عقود من شأنهم إبرامها، فلن ينتبه لها أحد مهما جاءت مجحفة في حق الشعب السوداني.
واعتبر أن النخب السودانية الموجودة الآن ساذجة تجاه أطماع الإثيوبيين، وأن ضعفًا سودانيًا باديا في حماية الحدود يضاعف الأطماع الإثيوبية.
انهيار سدود السودان
وحذر الخبير الحاصل على ماجستير علم المنشآت الهندسية من معهد الينوي للتكنولوجيا بشيكاغو، من أن سد النهضة صمم لتمرير فيضان قدره ٢٦ مليار مكعب وخزان الرصيرص بالسودان يمرر ٨٠٠ مليون متر مكعب في اليوم، ما يعني أن خزان الرصيرص سينهار ويتبعه خزان سنار وربما سد مروي.
وأشار إلى أن سدا بهذا الحجم، ٩٠ مليار متر مكعب، المعلن منها ٧٤ مليار متر تساوي ١٨ ضعف سعة خزان الرصيرص، وبهذه الخصائص لا يمكن أن يصمد أكثر من خمس سنوات؛ لأنه بني في أرض بركانية