ردًا على تطبيع “أم شارون”.. بالأدلة والوقائع نكشف مزاعم مظلومية يهود الكويت

- ‎فيتقارير

من مشاهده الأولى اتضح زيف ومغالطات تاريخية احتواها مسلسل "أم هارون"، الذي أطلق عليه رواد التواصل الاجتماعي "أم شارون"؛ نظرا لتبنيه وجهة النظر الشارونية في سرد الحكاية.

كما دافعت الممثلة الكويتية "حياة الفهد" عن العمل على اعتبار الوجود الحقيقي لليهود في الخليج وفي كل مكان، وأن قصة بطولتها عن أم هارون امرأة يهوديّة تتعرّض للمتاعب بسبب ديانتها، ويصوّر المسلسل حياة الجالية اليهوديّة في الخليج، لشخصية تحدث عنها الكاتبان البحرينيان "شمس" و"أم جان"، حسب قولهما، التي تنقلت بين عدة بلدان واستقرت في البحرين صورة أصيلة عن يهود الخليج، وأنها ضحية كما في المبالغات والأكاذيب المتعلقة بالهولوكوست.

الواقع والخيال

تناولت يسرا محمد سلامة، باحثة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، دراما "أم هارون"، من خلال مقال بعنوان "يهود الخليج بين الواقع والخيال"، نشرته "الجمهورية أونلاين"، واستقت من السرد التاريخي الموثق دليلا على ما ذهبت إليه مغالطات المسلسل، وقالت إنّ الإحصاء التقديري الذي أعده الجغرافي الفرنسي فيتال كينيه في العام 1890، يُقدر عدد الكويتيين بنحو 20 ألف نسمة- من بينهم 50 يهوديًا- وهي تكاد تكون الإشارة الوحيدة إلى وجودهم ضمن إحصائيات أو تقديرات عدد السكان.

وأضافت أنّ المقيم السياسي البريطاني لويس بيلي (1825 – 1892م)، الذي زار الكويت في عام 1865م، قد ذكر أنّ سكانها- بمن فيهم اليهود – يتمتعون بحرية العبادة والشعائر.

وأردفت "وعلى الرغم من عدم دقة البيانات عن بداية التواجد اليهودي في الكويت، إلا أنّ هناك بعض الباحثين يذهب إلى أنّ تاريخ إقامة اليهود في الكويت، يعود إلى عام 1776م، عندما احتل "صادق خان" البصرة، التي أُخليت من سكانها وبعضهم من اليهود، حيث ارتحل قسم منهم شمالاً، ومنهم من قصد الكويت، فاستقروا فيها".

وتابعت "هناك رأي قائل، إنّ بعض العائلات منهم، استقرت في نهاية عهد حكم الشيخ صباح جابر الصباح (1859- 1866)، وأوائل عهد الشيخ عبد الله بن صباح (1866 – 1893)، أي في حوالي العام 1860.

بدء الرحيل

وأشارت إلى أن الروايات عن تاريخ بدء رحيل اليهود عن الكويت تعددت، فمنهم من اعتبر أنه في عام 1936 لم يتبق أحد منهم في الكويت، في حين ذهب البعض الآخر إلى القول إن خروجهم النهائي كان في العام 1947.

وأضافت أن "علاقات اليهود مع محيطهم الكويتي، أصابها شيء من التصدع الاجتماعي"، لا سيما في مرحلة قيام الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936، ومُطالبة العرب بريطانيا بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين، ومنع انتقال ملكية الأراضي إلى اليهود.

وأشارت إلى أن صدى واقعة إعدام شفيق عدس (1900 – 1948)، أحد أشهر تُجار السيارات في العراق، والذي امتلك إلى جانب شقيقه إبراهيم عدس، وكالة سيارات فورد في العراق، على خلفية تعاونه مع الحركة الصهيونية في تجارة السلاح، فترددت أصداء هذه الواقعة بقوة في الكويت.

وكشفت أن أغلب الروايات التي تحدثت عن اليهود في الكويت شعبية غريبة، كالاعتقاد بأن اليهود هم من السحرة، ومنها رواية أنّ الأطفال كانوا يتعقبونهم ويقذفونهم بالحجارة مرددين: "عنكريزي بوتيله- القبعات التي اعتاد الأجانب على ارتدائها- عساه يموت الليلة".

ورأت أن رفض الكويتيين لهذه الممارسة لا يعني بالضرورة عدم تقبلهم للأديان الأخرى، بقدر ما شعروا بأنها عنوان للترويج والتبشير بدين آخر، ومحاولة لإلغاء الهوية العربية الإسلامية.

وأشارت إلى أن ما أسهم أيضا في نمو هذه الاعتقادات "غموض علاقاتهم المشتركة" و"الطبيعة الانطوائية لليهود"، و"بقاء علاقاتهم مع أهل الكويت في إطارها العام"، باستثناء "سياق تعزيز تجارتهم"، وخروج بعض رجال اليهود إلى المقاهي الشعبية.

50 عائلة

الدكتورة "سلامة" قالت إن نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، شكلت بداية التحولات الجذرية فيما يتعلق بتواجد اليهود في الكويت، فمنذ تلك الفترة أخذت الوثائق والتقارير التاريخية تذكرهم بصورة مستمرة، فمنذ العام 1903 أخذ عددهم بالارتفاع تدريجيا، نتيجة ازدياد حركة الهجرة من البصرة وبوشهر، حيث وصلت إلى الكويت نحو 50 عائلة، ليصبح عددهم نحو 200 فرد".

وذكرت أن من أشهر الأسر، والشخصيات اليهودية التي استقرت في الكويت أسرة التاجر "صالح ساسون محلب"، الذي هاجر من العراق واستقر في الكويت مع بداية القرن العشرين، وهناك تاجر آخر كان معروفًا ويُدعى "ساسون بن ياقوت" الذي امتلك دكانًا في سوق اليهود.

وعن أبرز العائلات اليهودية التي كانت مقيمة في الكويت، الروبين، خواجة، محلب، ساسون، شامون، كوهيل، حزقيل، ساؤول، عزرا، يعقوب، إلياهو، جماعة صالح، شاؤول، وصموئيل، وإنْ بقيت محل شك فيما إذا كانت تنتمي إلى المسيحية أو اليهودية.

وأشارت إلى أن "صدور إجراءات أو قرار رسمي بطردهم، بقي محل خلاف بين من يؤكد أنّ الشيخ أحمد الجابر الصباح أصدر مرسومًا في عام 1947م، بطردهم وإبعادهم، بعد أن أدرك خطورة بقائهم- إلا أن هناك من خالف هذا الرأي- نافيًا بشدة اتخاذ قرار رسمي من هذا النوع، فهناك من يرى أنّ التاريخ لم يُذكر، ولا حتى اليهود ذاتهم يذكرون، أنهم ظُلموا في الكويت، لا بل إنّ الحكومة الكويتية أنصفتهم وعوضتهم عن ممتلكاتهم وسهلت خروجهم.

وثائق بريطانية

تقول الكاتبة والشاعرة الفلسطينية رؤى رزمق، في مقال لها بعنوان "هل تتجه الدراما العربية نحو التطبيع؟"، إن القارئ يمكنه أن يتحسس الحقيقة، مما كتبه جون كيلي في تقريره المقدم لبريطانيا بشأن المستعمرات الموجودة في الكويت بعد أن زارها، بأن سكان الكويت يتمتعون بحريّة العمل والتنقل والتجارة والعبادة وممارسة الشعائر الدينيّة وبمن فيهم اليهود، وأشارت "رزمق" إلى أن تاريخ استقرار الجالية اليهودية في الكويت يعود إلى فترة حكم الشيخ عبد الله الصباح حوالي عام 1860م.

وأضافت أنه عن بدايات وجود اليهود، فقد ورد في الموسوعة الكويتية المختصرة "بأن الكتابات اليهودية تشير إلى أن تاريخ تواجد الأقلية اليهودية في الكويت يعود إلى فترة الاحتلال الفارسي للبصرة عام 1776م، حيث هاجر معظم المقيمين في البصرة ومن بينهم بعض أفراد الجالية اليهودية إلى الكويت، فيما تحدد المصادر العربية والمحليّة الربع الأخير من القرن التاسع عشر بداية الاستقرار اليهودي في الكويت".