من يتابع إعلام العسكر يدرك أنه في حالة تخبط من تعتيم كامل على إصابات فيروس كورونا إلى اعتراف بالكارثة على استحياء، بينما يعيش أهالى قرية الهياتم التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، فى حالة من القلق والخوف، بعد ظهور 8 حالات إيجابية مصابة بفيروس كورونا المستجد، لشخص يعمل مديرا بأحد مطاعم البيتزا الشهيرة، و7 من أقاربه، ومخالطة الشاب لأكثر من 100 شخص من أبناء القرية، خلال الفترة الماضية، الأمر الذى أثار الخوف فى نفوس الأهالي خشية تفشى المرض بين أبنائها.
التصريحات الصادرة من سلطات الانقلاب حتى الآن تتعامل بمنتهى الخفّة، وربما الاستهتار بالمخاوف الدولية النابعة من اكتشاف حالات إصابة وصلت إلى بعض العواصم قادمة من مصر، إذ تركز الردود المصرية على جزئية وحيدة، تبدو مضحكة علميًا، في تركها كل شيء والتعلق بأن الفيروس الذي أصاب هذه الحالات ليس مصدره الأصلي مصر، من دون أن ينتبه المصرحون إلى أن المعضلة ليست في موطن نشأة الفيروس، وإنما في وجوده وانتقاله من هذا المكان أو ذاك.
كورونا سياسي!
على أن الكارثة الأخطر هي تحويل الأمر إلى قضية سياسية، يتكرّر فيها مضغ الأوهام المعششة في رأس عصابة العسكر عن المؤامرة الكونية لضرب السياحة والاقتصاد، واجترار “حواديت أهل الشر” والحاقدين والمتربصين.. إلى آخر هذا الهراء الذي لا يملك العسكر في مصر غيره.
عقلية الإنكار، بوصفه سلاحًا مشهرًا طوال الوقت، من دون بذل أي مجهود في الرصد والتقصي وإعلان الحقائق بشفافية، هي ذاتها العقلية التي لا تخجل من الكذب على العالم بادّعاء أنه لا يوجد معتقلون ولا سجناء رأي ولا حالات اختفاء قسري، أو تصفية وقتل بالتعذيب والإهمال الطبي والحرمان من الدواء في السجون.
بدأت الكارثة في قرية الهياتم بعدما ذهب الشاب “ر.ا” للمطار لاستقبال زوج شقيقته العائد من السعودية، قبل تعليق رحلات الطيران، ثم بعد ذلك حضر أحد الاجتماعات مع عدد من رؤساء الأفرع والقطاع بشركة مطعم البيتزا الشهير، ومن هنا بدأت تظهر علامات الإصابة بالمرض عليه.
وتوجّه الشاب لطبيبين بالقرية للاطمئنان على نفسه، ولم يتوصل الأطباء لحقيقة إصابته بالمرض، وكانت الكارثة عندما خالط هذا الشاب أسرته وأهالي القرية فى أحد العزاءات، ومن ثم قام عدد منهم بزيارته فى المنزل للاطمئنان عليه.
وبعدما اشتد التعب على الشاب، توجه بعد ذلك لأحد الأطباء وطلب منه عمل أشعة على الصدر وإرسال التقرير له بدلا من الحضور مرة أخرى، وفور تسليم الطبيب الأشعة والتقرير طلب منه التوجه لمستشفى صدر المحلة، وكانت الكارثة وتعامل الأطباء معه بسرعة فائقة، وسحب عينات منه ووضعه فى العزل الطبي لحين ورود نتائج التحاليل، وكانت المفاجأة بأن كشفت نتائج العينات إيجابية إصابته بالمرض، وتم تجهيز سيارة إسعاف مجهزة ونقله فورا للحجر الصحي بالنجيلة.
يقول الناشط محمد سعد: “أسطوانة الناس اللي شغالة إن مصر متعلنش عن إصابات كورونا عشان خاطر الاقتصاد.. اقتصاد ايه يا عم هيدخلك كام من السياحة 2 مليار.. بس هيموت قصادهم كام هتصرف كام لو انتشر؟ هتصرف 50 ضعف المبلغ ده غير الناس اللي هتموت لو الدول دي خلت من الفيروس وفضل عندك هتلاقي نفسك معزول في الكوكب كله”.
استعلاء العصابة
وفي 13 من مارس الماضي، كشفت منظمة “نحن نسجل” الحقوقية عن أنها حصلت على “معلومات موثقة من مصادرها الخاصة تفيد بظهور حالات إصابة بفيروس كورونا بين ضباط بالجيش المصري، والتي كان من بينهم اللواء أركان حرب شفيع عبد الحليم داود، مدير إدارة المشروعات الكبرى بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وكذلك سائقه “مجند” بالإضافة إلى 3 ضباط بالهيئة الهندسية”.
وأضافت المنظمة: “لسنا هنا بصدد صدام مع السلطات المصرية، ولكن هدفنا من هذا العمل هو الحرص على سلامة أفراد المجتمع المصري مدنيين وعسكريين، حيث يجب التعامل بشكل فعال يساوي قدر الخطر المحدق”.
وطالبت “السلطات المصرية بالتعامل بمنتهى الجدية والشفافية، خاصة وأننا رصدنا إعلان الكثير من دول العالم عن إصابة مسئولين كبار بالفيروس، ولم يكن هناك أي تحفظ أو تردد من قبل هذه الحكومات”.
وفي معرض تعليقه، قال رئيس لجنة الدفاع القومي بمجلس الشورى المصري سابقا، رضا فهمي: “بلا شك المؤسسة العسكرية في مصر تعتبر نفسها من طبقة الأسياد وباقي الشعب من طبقة العبيد، وهو ينشأ عنه حالة من الغرور والاستعلاء غير المبررين بعد الانقلاب العسكري”.
وأضاف فهمي: الحالات التي رأيناها هي نتيجة الاجتماع الموسع بتاريخ 3 مارس، الذي ضم جميع قيادات الجيش، والذين جلسوا بشكل ملتصق جدا في هذه القاعة، وحالة واحدة أو أكثر كفيلة بنقلها إلى غالبية الحضور”.
وأشار إلى أنه “تم تسريب وثيقة بقائمة من قيادات الجيش برتب مختلفة أصيبوا بالفيروس، وهناك أعداد أخرى لم يعلن عنها، ولكن الأزمة الأكبر أنهم على رأس العمل ويحتكون بقيادات أخرى وضباط؛ وبالتالي لا يمكن استبعاد نقل العدوى لعشرات بل لمئات آخرين، وغالبيتهم في مواقع قيادية كبيرة”.
وانتقد فهمي نظرة المؤسسة العسكرية للجيش واعتباره “خارج التغطية الإعلامية، وخارج الشفافية ما سيترتب عليه مصيبة أكبر حيث تسهم بتعظيم هذه المأساة (..)، نحن أمام مشهد عبثي، أمام قيادة تعجز عن حماية الصف الأول من القيادات العسكرية فما بالنا بباقي المؤسسة والشعب”.