مصطفى الخطيب
مرت أمس الذكرى السنوية الأربعين لانتصار السادس من أكتوبر عام 1973؛ حيث احتفلت مصر بإنجاز الشعب المصرى كله وقواته المسلحة وجنودها البواسل الذين عرفوا معنى الوطنية والجهاد فى سبيل الله لتحرير الوطن من عدونا الأول وهو المحتل الصهيونى.
وفى هذا اليوم تنفضح قلة من الانقلابيين أعلت مصالحها الشخصية وتطلعاتها المدمرة فوق مصالح الوطن. فكان من أثر ذلك الإطاحة بالحياة الديمقراطية وعودة الفساد السياسى والنفاق الاجتماعى وسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية وتسولنا من الدول الخارجية وبقاؤنا تابعين لنظام عالمى لا يسمح لنا باستقلال القرار ولا بإنتاج غذائنا ودوائنا وسلاحنا.
فقد برزت نماذج عديدة لوطنيين من رجال القوات المسلحة تفانوا فى حب هذا الوطن وعلموا أن مهمتهم هى حماية الحدود لا جمع الغنائم عن طريق العبث بالسياسة وبمقدرات الشعب. واتفق هؤلاء أن تدخل العسكريين فى السياسة يفسد الجيش ويفسد السياسة، وأبرز نماذج ذلك هزيمة 1967 وفقدان سيناء الحبيبة.
ومن هؤلاء الأبطال وأبرزهم الرئيس الأول لجمهورية مصر العربية اللواء محمد نجيب والذى صمم على تسليم السلطة للمدنيين عقب الإطاحة بالملكية فى 1952 وذلك حتى يتفرغ الجيش لمهمته الأساسية؛ فما كان من قادة العسكر حوله إلا أن أطاحوا به ولم يسلموا السلطة للمدنيين -حتى انتخاب الرئيس ممد مرسى- ومن وقتها ضاعت الحريات وفقدت مصر سيناء وغزة والسودان!
ومن هؤلاء أيضا الفريق سعد الدين الشاذلى قائد حرب أكتوبر والذى شارك فى حرب فلسطين عام 1948، وانضم إلى الضباط الأحرار عام 1951، وأسس وقاد أول قوات مظلية فى مصر عام 1954، وشارك فى مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، وأصبح رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية منذ منتصف عام 1971 وحتى نهاية حرب أكتوبر 1973. وُصف الشاذلى بأنه الرأس المدبر للهجوم المصرى الناجح على خط الدفاع الإسرائيلى بارليف فى حرب أكتوبر. لم يقم المخلوع مبارك بتكريمه. لكن بعد وفاته منح الرئيس المخطوف محمد مرسى اسم الفريق سعد الدين الشاذلى قلادة النيل العظمى تكريما لدوره الكبير فى حرب أكتوبر المجيدة وتسلمتها أسرته 3 أكتوبر 2012.
ومن الأبطال الوطنيين أيضا المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة صاحب الخبرة العسكرية والموسوعة العلمية وزير دفاع مصر فى أواخر عهد الرئيس السادات وبداية عهد الرئيس المخلوع مبارك. كان قائد مدفعية الجيش الثانى فى حرب أكتوبر 1973؛ من الضباط الأحرار، وشارك فى حرب 1948.
أقاله مبارك من منصب وزير الدفاع سنة 1989؛ وذلك للتخلص منه لتزايد شعبيته فى الجيش، وأيضا بعد إطلاقه برنامجا لتطوير صواريخ بعيدة المدى بالتعاون مع الأرجنتين والعراق ومصر باسم كوندور-2، واستلزم ذلك محاولته تهريب أجزاء تستخدم فى صناعة تلك الصواريخ من أمريكا، مما أغضب الدول الغربية. كما نجح أبو غزالة فى مراوغة أمريكا والضغط عليها لإدخال دبابة الأبرامز الأقوى عالميا بالخدمة بالجيش المصرى.
ومن الأبطال أيضا المشير محمد عبد الغنى الجمسى والذى شغل منصب رئيس المخابرات الحربية عام 1972 ورئيس أركان القوات المسلحة عام 1973 ووزير الحربية 1974، ويعتبر آخر وزير حربية فى مصر؛ حيث تم استبدال المنصب بمنصب بوزير الدفاع. تم تصنيفه ضمن أبرع 50 قائدا عسكريا فى التاريخ.
والمشير الجمسى هو صاحب المقولة الشهيرة "إن الرجل العسكرى لا يصلح للعمل السياسى قط.. وإن سبب هزيمتنا عام 1967 هو اشتغال وانشغال رجال الجيش بالألاعيب فى ميدان السياسة، فلم يجدوا ما يقدمونه فى ميدان المعركة".
ومن بين هؤلا القادة الوطنيين العظام البطل العقيد أحمد عبد العزيز الذى دخل السجن فى عام 1923 بتهمة قتل ضابط إنجليزى. وهو أول ضابط مصرى يتخلى عن رتبته وامتيازاته من أجل الجهاد فى فلسطين؛ حيث شكَّل كتائب المجاهدين المتطوعين الفدائيين، واستطاعت تلك القوات بقيادته تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة فقطعت الكثير من خطوط اتصالاتهم وإمداداتهم، وأسهمت فى الحفاظ على مساحات واسعة من أرض فلسطين وذلك قبل أن تقبل الحكومات العربية الهدنة العربية اليهودية 1948 ووقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع مما أعطى للصهاينة الفرصة لجمع الذخيرة والأموال وإعادة تنظيم صفوفهم.
وعلى مستوى الجنود، شهد العام 1990 قيام الجندى المصرى البطل أيمن حسن بتنفيذ عملية عسكرية على الحدود المصرية الفلسطينية المحتلة ردا على إساءة جنود إسرائيليين وإهانة العلم المصرى وقيام الإسرائيليين بمذبحة المسجد الأقصى الأولى. وقد أدت تلك العملية إلى مقتل 21 ضابطا وجنديا إسرائيليا وإصابة 27 آخرين.
ومن الجنود العظام أيضا الشهيد البطل سليمان محمد عبد الحميد خاطر، أحد عناصر قوات الأمن المركزى المصرى والذى كان يؤدى مدة تجنيده على الحدود المصرية مع الكيان الإسرائيلى المحتل عندما تسلل سبعة إسرائيليين إلى نقطة حراسته فى الخامس من أكتوبر عام 1985 فقام بتحذيرهم ثم قتلهم. تمت محاكمة سليمان خاطر عسكريا، وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 25 عامًا. وفى اليوم التاسع لحبسه أعلنت وسائل الإعلام انتحار الجندى سليمان خاطر فى ظروف غامضة، لكن الحقيقة ما قالتها أمه: "ابنى اتقتل عشان (الحكومة) ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل".
ويذكر التاريخ أمثلة مضيئة أخرى فى حرب أكتوبر مثل المشير محمد على فهمى واللواء فؤاد ذكرى واللذين تم تعمد عدم ذكرهما فى فترة الرئيس المخلوع مبارك؛ حيث ظل الإعلام المصرى يروج لأحادية النصر بالضربة الجوية الأولى.