تنفيس غضب وحفظ ماء وجه.. دلالات “تمثيلية” الحرب الصهيونية مع “حزب الله”

- ‎فيعربي ودولي

نعم أوفى "حزب الله" بوعده وأصر على الرد بالصواريخ واستهداف آلية عسكرية، ولم يخش التهديدات الإسرائيلية، ورسالته كانت واضحة "سنرد على أي عدوان على لبنان"، ولكن هل كان الرد محسوبًا ومدروسًا مع الصهاينة لتنفيس غضب الحزب المشغول في قتل السوريين ليبقى داعمه بشار الأسد مسيطرا؟".

وهل هذا أمر إيجابي أم أن الرد الصهيوني بدوره كان محسوبًا ولا يرغب في التصعيد والاكتفاء بقصف أراضٍ فارغة بـ40 أو 100 قذيفة لحفظ ماء وجه الصهاينة؟.

واقع الأمر أنه لا حزب الله ولا نتنياهو يرغبان في الحرب الآن؛ فالأول لا يزال مشغولا في قتل الثوار السوريين وخدمة بشار الأسد، والثاني مشغول في إعادة الانتخابات ولا يرغب في تصعيد يعلم جيدًا أنه سيستمر عامًا على الأقل، وسيطول هذه المرة أعدادًا أكبر من القتلى الصهاينة وتدمير عدة مناطق.

بل إن لنتنياهو مصلحة في أن ينجح حزب الله في دعم بشار الأسد في فرض سيطرته على كل أنحاء سوريا؛ لأن الأسد من نوعية الحكام العرب المدجنين الذين يسهل قيادتهم والسيطرة عليهم ولن يحارب إسرائيل، كما أن انتصار الأسد ووصوله إلى حدود تركيا سيشغل تركيا التي تعتبرها الدولة الصهيونية عدوًّا.

ربما لهذا لم يُخفِ رئيس الوزراء الصهيوني، في مؤتمره الصحفي، غبطته جراء نجاح “حزب الله” في القيام برد دقيق يسحب فيه فتيل الحرب، ويُعفي أطرافها المفترضين والمنهكين من أعبائها، وراحت وسائل إعلامه تروي كيف خدعوا حزب الله بإظهار أن الضربة أدت إلى خسائر فنقلوا جنودا إلى المستشفى، وهم يمثلون أنهم مصابون، بينما لم يُصب أحد!.

دلالات مختلفة

ومع هذا، ورغم الترتيب الضمني للضربات المتبادلة يمكن رصد ما يلي:

1.    مجرد انتظار وقبول تل أبيب ضرب حزب الله لها واستمرارها في انتظار ضربته ردًّا على تفجيرها طائرة مسيرة في جنوب لبنان، إلى حد الكشف عن استبدال الجنود في داخل السيارات العسكرية بدُمى من القماش، هو لصالح حزب الله، ويكشف ضمنا عن تغيير في معادلة الصراع نجحت فيه حماس أيضا وهو "الضربة مقابل الضربة".

2.    قبول نتنياهو وإسرائيل القوية والمحصنة بدعمٍ أميركي مطلق، للبحث عن مخرج لعدوها وعن طريق تنفيس احتقانه هي سابقة على المرء أن يتوقف عندها، كما يقول حازم الأمين، الصحفي والكاتب اللبناني، لأنها تكشف تآكل قوة الردع الصهيونية، وأنها لم تعد تُعربد كما تُريد مع من يحملون السلاح ضدها.

3.    رد حزب الله بإطلاق قذيفة على سيارة عسكرية صهيونية قيل إنها أخطأت هدفها، كشف عن ركاكة في بحثه عن مخرج عبر حرب لا يريدها، خصوصًا أن الآلة الإعلامية للحزب أعطت انطباعًا بأنه سيهدم تل أبيب.

4.    قول تلفزيون “الميادين”، الموالي لنصر الله، إن مقاتلي الحزب تفادوا قتل جنودٍ إسرائيليين؛ لأنهم لاحظوا أنهم من يهود الفالاشا، هو أمر بائس ومستغرب.

5.    نتنياهو فعلا كان سعيدا في مؤتمره الصحفي، عندما أعلن عن أن العمليات العسكرية ستقتصر على ما حصل؛ لأن رد حزب الله كان ضعيفا وغير مقنعٍ في هذه المواجهة، إذاً نحن أمام عدوان غير راغبين في الحرب أصلًا.

لماذا رد حزب الله الآن؟

برغم أن حزب الله بات يمتلك توازن رعبٍ بينه وبين إسرائيل، إلا أنه لم يرد على عشرات الصفعات الصهيونية عليه في سوريا، حيث نفّذت تل أبيب مئات الغارات عليه في سوريا من دون أن يرد، ولكنه هذه المرة قرر الرد.

ويبدو أن الحزب يحاول خلق معادلة توازن مع لبنان فقط إذا قصفها العدو، بينما أرض سوريا مستباحة، والحرب تتم فيها بالوكالة عن عشرات الأطراف، ويصعب ضبط الأمور بها، فلذلك لم يرد سواء لضعفه في سوريا أو لعدم إظهار أنه يدعم بشار، برغم أن دوره معلوم في قمع ثورة سوريا.

وعام 2006، وما أن انتهت الحرب حتى وظف الحزب “انتصاره” في النزاع الداخلي، فانقض على الوسط التجاري لبيروت، وبعدها اجتاح المدينة في 6 مايو من عام 2008، وفي هذا الوقت نعمت إسرائيل بهدنة هي الأطول على الحدود مع لبنان منذ عام 1967، وقد يكون رده الأخير على تل أبيب محاولة لاستعادة دوره السياسي والعسكري في لبنان، في وقت بدأت أطراف لبنانية تطالب بتحجيم دوره، بعدما شارك في قمع ثورة سوريا وأظهر وجهًا عدوانيًّا في مواجهة تطلعات الشعوب، يختلف عن الدور الذي رسمه لنفسه كحامٍ للعروبة ضد دولة الاحتلال عام 2006.

لقد كشف صحفي يهودي، قبل أيام، عن اتفاق بين حزب الله وكيان العدو اليهودي لضربة غير مؤذية؛ حفظًا لماء وجه الحزب، وجاءت الضربات المحسوبة وتمثيلية وقوع إصابات لتؤكد ما قيل.

فعملية الإجلاء التي سربها الجيش الإسرائيلي كانت لدُمى غير حقيقة، على إثرها أعلن حزب الله إصابة جنود إسرائيليين، وهذا التسريب تكتيك إعلامي عسكري متبع في حالات الاشتباك، لغرض فسح المجال وتنفيس الغضب وحفظ ماء الوجه.