بعد اغتيال البطش .. هل تغير حماس استراتيجيتها وتستهدف الصهاينة خارج فلسطين ؟

- ‎فيعربي ودولي

درجت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على اتباع سياسة تركز على حصر المقاومة ضد الاحتلال على الداخل الفلسطيني، وعدم نقل المعركة لدول أخرى، بعكس حزب الله اللبناني الذي سعي لمواجهات خارجية مع الصهاينة منها اختطاف جنرال لاستبداله بأسري.

ورغم قيام الاحتلال الصهيوني بسلسلة عمليات قتل لقيادات فلسطينية بدول عربية وأجنبية، إلا أن الحركة ظلت متمسكة بنهجها بالمقاومة داخل فلسطين فقط، وكانت صحف مصرية موالية للسلطة حاولت الإيحاء بنشاط للحركة في دول أخرى مثل مصر والسودان، إلا أن الحركة أصدرت بيانات تؤكد أن نشاطها في الداخل الفلسطيني فقط.

هذه المرة بدأ الصهاينة استهداف علماء فلسطينيين يعملون في الخارج ويزعم الاحتلال أن لهم علاقة بتحسين مستوى صواريخ حماس، أو تصنيع الطائرات بدون طيار، في ظل سعي المقاومة لتطوير أدوات جديدة ضد الاحتلال، كان آخرهم العالم فادي البطش الذي قتله الموساد في ماليزيا أبريل الجاري 2018، وسبقه عام 2016 عالم تونسي يطور طائرات حماس بدون طيار (محمد الزواوي).

الاحتلال يعترف بالقتل

صحيفة “هآرتس‎” العبرية اعترفت ضمنا في تقرير نشرته الأربعاء 25 أبريل 2018، بأن الموساد وراء قتل هؤلاء العلماء الفلسطينيين، مشيرة لتتبع العلماء الفلسطينيين الذين يعملون مع حماس وقتلهم من ماليزيا حتى تونس، دون أن تعلن صراحة مسئولية الاحتلال.

تقرير هآرتس تحدث بوضوح عن أن “خارطة اغتيال قادة حماس في العالم تشهد على محاولة لإحباط نشاطات الحركة”، ومعروف أن هذه المحاولات يقوم بها الاحتلال الصهيوني.

وأشار لأن ظروف الحصار على غزة تدفع حماس إلى العثور على حلول خارج غزة، وتشغّل، من بين نشطاء آخرين، مهندسين وأكاديميين فلسطينيين في العالم لدفع برنامجها لتطوير وسائل قتالية مسيّرة وصواريخ متقدمة قدما.

وزعم أن حماس “تعمل في تركيا، إندونيسيا، تونس، لبنان ودول أخرى لتجنيد الأموال والنشطاء، بناء علاقات، وتعزيز قدراتها الهجومية، ويشهد اغتيال المهندس فادي البطش في ماليزيا واغتيالات سابقة في العالم على محاولة لإحباط هذه النشاطات”، من جانب الموساد الصهيوني.

التقرير الصهيوني يؤكد أن “ماهر صالح” هو المسؤول الحمساوي خارج البلاد الذي يحاول جمع الأموال لصالح حماس، وإقامة علاقات والعثور على عباقرة لتطوير أسلحة ضد الاحتلال، وأنه يعيش غالبية الوقت في دول الخليج، وأصبح يشغل منصبا هاما في الحركة بسبب قربه من نائب رئيس الحركة، صالح العاروري.

ويزعم أنه في عام 2015، اعتُقل “صالح” في السعودية بتهمة تنفيذ جرائم تبييض الأموال وتهريبها من الرياض، كما جمدت وزارة المالية الأمريكية ممتلكاته وحظرت إجراء صفقات معه”.

ونجح ماهر في الحصول على أرض خصبة في إندونيسيا لتشغيل مهندسين وأكاديميين فلسطينيين من مجالات مختلفة لدفع تطوير وسائل قتاليّة من أجل حماس قدما، وتجنيد الطلاب الجامعيين الفلسطينيين للمشاركة في مشاريع حماس عن طريق نشطاء مثل فادي البطش، مسؤولين عن المشاريع، التي تكون مرتبطة غالبًا بتطوير وسائل قتالية مسيّرة تكنولوجيا، بحسب هآرتس.

وكان ماهر أيضًا مسؤولا عن التحقيق في وفاة القيادي الحمساوي ومهندس الطائرات المسيّرة، محمد الزواري، الذي اغتيل في تونس في شهر ديسمبر 2016.

وتزعم “هآرتس” أن تركيا من الدول التي تنشط فيها حماس، وأن “الشاباك” كشف مؤخرا عن شبكة في تركيا لتجنيد الأموال يشغلها أتراك وفلسطينيون، ولتجنيد نشطاء حماس، من الفلسطينيين أصحاب الجنسية الإسرائيلية وغيرهم ممن يزورون تركيا بصفتهم رجال أعمال أو سياحا.

هل تغير حماس استراتيجيتها؟

هذه الاغتيالات الصهيونية لقادة حماس السياسيين في الخارج، والتي بدأت تطال مدنيين بتهمة معاونة الحركة على تطوير أسلحة ضد الاحتلال، أثارت تساؤلات حول احتمالات تغيير الحركة تكتيكاتها للرد في الخارج واستهداف قادة أو علماء صهاينة بالمقابل.

ورغم أن حماس لن تعلن هذا التغيير في مقاومتها لو قررت استهداف الصهاينة في الخارج، فقد أبدى “يوني بن مناحيم” الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية مخاوفه من أن تكون التهديدات التي أطلقتها حماس بالانتقام لمقتل “البطش” تعني تنفيذ عمليات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، و”إعداد استراتيجية ميدانية جديدة للحركة، والانتقال لتنفيذ عمليات فعلية على الأرض، لإيجاد ميزان رادع لإسرائيل”.

وأشار بن مناحيم، وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، أن انتقال حماس إلى هذه الاستراتيجية الجديدة بتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية خارج الحدود يتطلب منها إقامة بنية تحتية، استخباراتية وعملياتية، وهذا قد يستغرق وقتا طويلا، رغم أنه ليس مستحيلا.

ولكنه زعم في مقاله الذي نشره موقع نيوز وزن، أن استمرار هذه الاغتيالات “يتسبب بأضرار بالغة لصورة حماس بين قواعدها، وتوجه ضربات موجهة لكوادرها، وهنا قد يتم استحضار نموذج اغتيال رحبعام زئيفي الوزير الإسرائيلي السابق الذي قتلته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 2001 ردا على اغتيال إسرائيل لأمينها العام السابق أبو علي مصطفى بالضفة الغربية.

وأوضح أن ذلك يتطلب من حماس “طرح أسئلة عميقة حول مدى وجاهة أن تدخل في حرب سرية ضد إسرائيل في الخارج، على اعتبار أن الأخيرة لديها تجربة طويلة في ذلك”، فالموساد خاض مواجهات واسعة ضد منظمة التحرير الفلسطينية منذ سبعينات القرن الماضي التي أنشأت مجموعة “أيلول الأسود”، وفي النهاية قضت عليها إسرائيل، وكانت تستهدف بالأساس استهداف مصالح إسرائيلية في الخارج.

كما أن انتقال حماس لهذه السياسة الجديدة ستجعل من قيادتها المتمركزة في غزة هدفا متاحا للاغتيالات الإسرائيلية، مع العلم أن ذلك لا ينفي فرضية أن تلجأ الحركة لاستهداف علماء إسرائيليين بارزين في مجالات عسكرية داخل إسرائيل، لإيجاد نوع من الردع في مواجهتها، بحسب المعلق الصهيوني.

وأدى اغتيال فادي البطش للتساؤل حول هل انتهجت الدولة الصهيونية اغتيال العلماء بديلا عن القادة السياسيين الفلسطينيين؟ وعن تداعيات ذلك علي حرب العقول المقبلة.

ويقول البروفيسور عماد البرغوثي، أن “إسرائيل تعرف أن عالما واحدا، من الممكن أن يساهم في تطوير سلاح استراتيجي رادع، يكون في خدمة الأمة وليس في خدمة المقاومة في غزة فقط؛ مثل بندقية القنص غول أو طائرة أبابيل المسيرة (من صناعة وتطوير كتائب القسام)، وذلك لاستخدامها في الدفاع عن غزة من بطش وانتهاكات الاحتلال المتواصلة”.

وأشار إلى أن “العقول النيرة مثل البطش والزواري وغيرهم، هم الذين يزعجون الاحتلال ويؤثرون عليه، لأنهم يطورون الأدوات التي تردع إسرائيل وتدافع عن أوطانهم وشعوبهم، ومن هنا يتضح مدى الحرص الإسرائيلي على اغتيال أمثال هؤلاء العلماء الذي يظهرون في الأمة ويعملون على رفعتها”.

وأنه “بسبب عدم امتلاك المقاومة في الضفة لمثل تلك الأسلحة، تدخل قوات الاحتلال يوميا إلى غرف نومنا وتعتقلنا من بين أطفالنا وتوقفنا يوميا بالساعات على الحواجز، لكنها في غزة لا تستطيع فعل ذلك لأنها تمتلك القوة التي تردع الاحتلال”