على مدار سبع سنوات كاملة، لا يزال المجرم بشار الأسد يسوم شعبه سوء العذاب، آمنا من عاقبة جرائمه أمام تنديدات واستنكارات لا تتجاوز البيانات والتصريحات المنددة التي لا تترجم إلى أفعال تؤدب الطاغية وتحمي الشعب من جرائمه.
وشن النظام الطائفي في سوريا والمدعوم من روسيا وإيران، هجمات جوية على المدنيين في بلدة دوما المحاصرة بالسلاح الكيماوي، وتسبب بمقتل أكثر من 150 مدنيا بينهم عشرات الأطفال. وأكد الدفاع المدني أن دوما تعرضت، السبت الماضي 7 أبريل 2018م، لأكثر من 400 غارة جوية بينها غارات محملة بغاز الكلور السام، وغازات أخرى، و70 برميلا، و25 استهدافًا للطائرات الرشاشة الحربية.
وكان مسئولون غربيون قالوا إن نظام الأسد احتفظ سرا بجزء من مخزون الأسلحة الكيماوية، رغم أنه من المفترض أن تكون دمشق سلمت كل أسلحة الدمار الشامل عام 2014، وفقا للاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة وروسيا.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن جلسة مساء الإثنين لبحث الملف السوري، بطلب من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لبحث الوضع في الغوطة الشرقية في أعقاب الهجوم الكيميائي الذي استهدفها، بحسب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
الرسائل والدلالات
أولا: تشكل المجزرة الجديدة بالكيماوي إثباتا جديدا على إصرار النظام الطائفي في سوريا على المضي قدما في جرائمه تحت أنظار المجتمع الدولي؛ بهدف تحقيق أهدافه العسكرية، والتي باتت تركز على تصفية أي وجود لمدنيين أو فصائل عسكرية معارضة له في الغوطة الشرقية، وهو ما يفسر القصف الهستيري الذي تعرضت له دوما على مدى الـ48 ساعة الماضية، بما في ذلك قصفها بالكيماوي بعد تعثّر مفاوضاته لتهجير أهلها و”جيش الإسلام” منها، ليسقط عشرات الضحايا وما يزيد على ألف جريح، وليسارع إلى توظيف ذلك في الترويج عن التوصل إلى اتفاق سريع يقضي بخروج “جيش الإسلام” من المدينة.
ثانيا: تزامنت الضربة بالأسلحة المحرمة على مدينة دوما، مع الذكرى السنوية لمجزرة خان شيخون التي وقعت في 4 أبريل 2017، وأدت إلى مقتل نحو 90 مدنيا بقصف على المنطقة، ولاقت حينها ردا من واشنطن التي قصفت قاعدة الشعيرات الجوية وسط سوريا، وهو رد لا يبدو أنه كان له أي أثر ردعي على النظام، المحمي من روسيا، في المحافل الدولية والتي استعملت حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة لمنع محاسبته.
ثالثا: يؤكد مدير “مركز التوثيق الكيماوي لانتهاكات النظام” العميد زاهر الساكت، استخدام النظام للأسلحة المحرمة دوليا، 254 مرة منذ عام 2011، مشيرا إلى أن أغلب الهجمات “موثقة”. وفي مقطع صوتي وزعه الساكت على صحفيين، أكد أن المادة التي قصف بها النظام مدينة دوما هي مادة السارين، موضحا أن العدد الكبير للضحايا يؤكد أن النظام استخدم عدة مواد ذات تأثير سمي عصبي.
رابعا: الحكومة الروسية التي تحتل سوريا حاليا بمباركة من النظام الطائفي لحمايته من السقوط، واصلت أكاذيبها، وسارعت إلى نفي التهمة عن نظام الأسد، زاعمة أن الأنباء التي تؤكد استخدام قوات النظام أسلحة كيماوية في دوما “لا تتوافق مع الواقع”. الأكثر دهشة أن رئيس “المركز الروسي للمصالحة في سوريا” الجنرال يوري يفتوشينكو قال: “إننا مستعدون فور تحرير دوما من المسلحين لإرسال خبراء روس في مجال الدفاع الإشعاعي والكيماوي والبيولوجي لجمع المعلومات التي ستؤكد أن هذه الادعاءات مفبركة”، وهي تصريحات مثيرة للسخرية؛ لأنه حسم النتيجة قبل التحقيقات المزعومة.
خامسا: كان الرد الأمريكي هو الأقوى، رغم أن واشنطن ارتكبت جريمة مماثلة منذ أيام قليلة وقتلت عشرات الأطفال من حفظة القرآن في أفغانستان، وتوعّد الرئيس دونالد ترامب المسئولين عن “الهجوم الكيماوي المتهور” بدفع “ثمن باهظ”.
وقال ترامب في سلسلة من التغريدات، إن “الرئيس (فلاديمير) بوتين وروسيا وإيران مسئولون عن دعم (بشار) الأسد الحيوان. سيكون الثمن باهظاً”. وأضاف “قتل كثيرون بينهم نساء وأطفال في هجوم كيماوي متهور في سورية. وفي السياق نفسه، قال توماس بوسرت، مستشار البيت الأبيض للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، في حديث تلفزيوني، إن الولايات المتحدة لا تستبعد شن هجوم رداً على الهجوم الكيماوي على دوما. وأضاف “نحن ندرس الهجوم في الوقت الحالي”، معتبراً أن صور الحدث “مروعة”.
سادسا: أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في بيان، عن “فزعه إزاء مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في دوما”، مشيراً إلى أنه في حال ثبوتها فسوف يتطلب الأمر إجراء تحقيق شامل بشأنها. كما أعربت قطر عن إدانتها واستنكارها الشديدين لاستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في دوما، وطالبت بتحقيق دولي عاجل وتقديم مجرمي الحرب في سورية إلى العدالة الدولية.
أما تركيا، فأملت على لسان نائب رئيس الوزراء بكر بوزداغ، “ألا يمر الهجوم الكيمياوي الذي نفذه النظام من دون رد هذه المرة أيضاً”، مضيفاً أن “الذين لا يحولون دون وقوع هذه الهجمات والوفيات يتحملون المسؤولية نفسها التي يتحملها النظام”. كما دان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن الهجوم، داعياً “لمحاسبة النظام السوري على كل الهجمات التي وقعت في أنحاء عدة من سورية وفي أوقات مختلفة”.
ترهيب الشعوب
وتأتي هذه المجزرة بعد ساعات قليلة من تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي طالب فيها بأن يكون نظام بشار قويا ضد شعبه، وكرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان موقفه من عدم رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أنه قال في مقابلة جديدة مع مجلة “تايم” الأمريكية، نشرت فجر الجمعة، إنه يدعم أن يكون النظام برئاسة الأسد “قوياً”.
كما طالب ولي العهد السعودي ببقاء القوات الأمريكية في سوريا، الأمر الذي قابله ترامب بطلب الرياض بدفع فاتورة التكاليف. وهي التصريحات التي تكشف عن تحولات الرياض من محاربة بشار والإصرار على رحيله باعتباره أن إيران تمثل التهديد الأكبر، إلى الإقرار بضرورة بقاء بشار قويا ضد شعبيه ما يعكس مخاوف النظم العربية المستبدة من ثورات الشعوب أملا في الحرية والاستقلال ككل شعوب الأرض.
والجامعة العربية وأغلب الحكومات العربية، ربما كانوا سعداء؛ لأن بشار عندما “يؤدب” شعبه الثائر من أجل الحرية بكل تلك الوحشية ، فإنما يرسل من خلاله الرؤساء العرب رسالة التحذير إلى شعوبهم إن فكرت أن تتمرد عليهم ، أمامكم الدرس فاتعظوا!.